كتبت” نداء الوطن”: يتواصل الأخذ والرد بين الهوامش والخطوط الحمر، في جملة ملفات وأبرزها ما يتصل بالتحقيق العدلي في جريمة انفجار المرفأ والتعديلات الانتخابية، حيث بلغ التجاذب مداه خلال الساعات الأخيرة و”استنفد الطرفان الوقت والقدرة على المناورة”، لتتلمّس مصادر مواكبة في ضوء ذلك، معالم “مقايضة” بدأت تتشكل قضائياً وتشريعياً بين الجانبين.وأوضحت المصادر أنّ عملية “رفع السقوف” وصلت إلى أعلى مستوياتها بين “تصريحات” رئيس الجمهورية و”تسريبات” الثنائي الشيعي الإعلامية حول مصير الطعن بتعديلات القانون الانتخابي أمام المجلس الدستوري… فبين تأكيد الرئيس ميشال عون أمام وفد نقابة المحررين أنّ “الحكم بالطعن سيصدر لمصلحة الجهة الطاعنة مع التلميح إلى ضرورة تأجيل تصويت المغتربين في حال عدم إقرار دوائر اقتراعهم القارية”، وبين تسريب معلومات صحافية مناقضة تفيد بعدم اتخاذ المجلس الدستوري قراراً في الطعن المقدم من تكتل “لبنان القوي” وبالتالي ترك التعديلات الانتخابية لتصبح نافذة حكماً، رأت المصادر أنّ “التفاوض دخل عملياً مراحله النهائية لبلورة تصور مشترك تشريعي – قضائي – انتخابي”، متوقعة أن تشهد الأيام المتبقية على انتهاء مهلة البت بالطعن الدستوري “اتصالات مكثفة في محاولة أخيرة لإيجاد صيغة تسووية بين “التيار الوطني” و”حزب الله” ترضي الجانبين وتحقق ما يصبو إليه كل منهما، سواءً بالنسبة لمسألة اقتراع المغتربين أو في ما يتصل بمسار التحقيق العدلي في جريمة المرفأ”.وإذ تنتهي المهلة القانونية أمام المجلس الدستوري يوم الثلثاء المقبل، ليقدّم جوابه بقبول الطعن أو عدمه في قانون التعديلات الانتخابية، تقاطعت المعلومات خلال الساعات الأخيرة عند التأكيد على عدم وجود أي اتفاق نهائي حول القرار الدستوري الذي سيخرج به المجلس، ورجحت المصادر أن يكون ضخ هذه المعلومات يصب في خانة التأشير إلى “الحاجة إلى إنجاز اتفاق سياسي يسهّل التوصل إلى قرار دستوري” في الطعن الانتخابي، تحت طائل تمهيد الأجواء لعدم إمكانية اتخاذ مثل هذا القرار في ظل غياب التوافق، لا سيما وأنّ أعضاء المجلس الدستوري أنفسهم توافقوا على عدم تطيير النصاب وتأمينه في كل الجلسات. وبناءً عليه، لفتت المصادر إلى أنّ “حسم أي قرار يحتاج إلى أكثرية 7 أصوات بينما القضاة المحسوبون على العهد وتياره لا يتجاوزون الـ4، وفي حال عدم التوصل إلى توافق أو اتفاق مسبق فإنّ القرار الأسهل والأوفر حظاً سيكون عدم التصويت على أي قرار فتكون عندها المراجعة مردودة، من دون استبعاد قبول الطعن ببند احتساب نصاب الأكثرية المطلقة في مجلس النواب لجهة المادة 57، مقابل اعتبار الدائرة الانتخابية رقم 16 الخاصة بالمغتربين مخالفة للدستور وبالتالي يجب إبطالها”.
وكتب نقولا ناصيف في” الاخبار”:مع أن لا صلة قانونية تجمع مراجعة الطعن في قانون الانتخاب بمشكلة البيطار، إلا أن أكثر من رابط سياسي أتاح التشابك. في ذلك تكمن أهمية الخيارات المطروحة على المجلس الدستوري، وهو يضع قراره النهائي في المراجعة، بين أن يقرر إبطال القانون كلياً أو جزئياً. في كلا الخيارين، سيحاذر المجلس الدستوري الخوض في ما تدعوه إليه مراجعة الطعن، وهو تفسير الغالبية الحالية لمجلس النواب الواردة في المادة 57 من الدستور. ما يبدو معلوماً أنه لن يورّط نفسه في هذا الشق، المختلف عليه لأسباب سياسية أكثر منها دستورية وقانونية، بذريعة أن ليس له ممارسة صلاحية ليست اختصاصه، وهي من مهمة مجلس النواب. بذلك يتحاشى النزاع الدائر بين رئيس الجمهورية ميشال عون الذي لم يوقّع قانون الانتخاب الرقم 8/2021 المعاد التصويت عليه في مجلس النواب وعدّه باطلاً معدوم الوجود فأضحى القانون نافذاً حكماً، وبين رئيس مجلس النواب نبيه برّي الذي يعدّ التصويت عليه قانونياً ويتمسك باحتساب النواب الأحياء الذين يتألف منهم المجلس حالياً، لا النواب الذين يؤلفون المجلس قانونياً.غير أن التنصل من تفسير المادة 57 لا يجنّب المجلس الدستوري استمرار الإشكالية الدائمة: إبطال القانون جزئياً أو كلياً. في ما لا صلة للمجلس الدستوري به أو معني بأي أثر له، أن الأفرقاء جميعاً فقدوا حماستهم لاقتراع الانتشار للمقاعد الوطنية الـ128، ولديهم في المقابل أكثر من حجة لعدم الذهاب إلى الاقتراع القاري لنواب الانتشار الستة، منها ما يتصل بمراسيمه التطبيقية. بل يفضّلون عدم الذهاب إلى الانتخابات النيابية برمتها.من دون بت مصير البيطار سيمسي الإبطال الجزئي لقانون الانتخاب مشكلة قد يصعب تداركها في المرحلة التالية. ذلك أن من شأن الإبطال الجزئي إرغام مجلس الوزراء على الالتئام من أجل تصويب قانون الانتخاب، تبعاً لقرار المجلس الدستوري. في غياب حلّ للعقبة الكأداء التي هي مصير المحقق العدلي، المرتبطة حكماً عندئذ بقرار المجلس الدستوري، لا جلسة لمجلس الوزراء.لذا يجري تداول أفكار حلول تفك الاشتباك القائم بين المحقق العدلي وكل من تجميد اجتماعات الحكومة وإجراء الانتخابات النيابية، بأن يصير إلى بازار سياسي مفاده إقران الإبطال الكلي للقانون، في مقابل موافقة باسيل على التصويت في مجلس النواب – وليس الحضور فحسب – على تأليف لجنة التحقيق المنصوص عليها في المادة 22 من قانون المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. عندئذ تجتزأ صلاحيات البيطار من دون خلعه من منصبه، فتحال محاكمة السياسيين إلى المجلس الأعلى، ويُستجاب شرط الثنائي الشيعي في هذا الجانب، ما يتيح على الأثر معاودة مجلس الوزراء الانعقاد. أما الخطوة التالية، فالذهاب إلى انتخابات نيابية تجرى وفق القانون الرقم 44 المقرّ عام 2017، وتالياً انتخاب النواب الستة القاريين.من دون بازار سياسي مسبق، فإن الإبطال الكلي أو الجزئي لقانون الانتخاب لن يُفسَّر سوى أنه استهداف مباشر لرئيس البرلمان، المتمسك بالصيغة التي أقرها مجلس النواب مرتين على التوالي. تالياً لا إبطال كلياً أو جزئياً بلا موافقته، ولا مكان لتصوّر أي من هذين الخيارين في معزل عن ربط كل منهما بمصير المحقق العدلي.على نحو كهذا لا يخسر أي من الأفرقاء السياسيين المعنيين: الذين يريدون إطاحة البيطار ينزعون مخالبه، والذين يريدون إبطال قانون الانتخاب المطعون فيه الرقم 8/2021. يفضي ذلك أيضاً إلى تجنيب المجلس الدستوري انقسامه، على جاري العادة منذ المرة الأولى عام 2013، فلا يُفرض على أعضائه التغيّب، ولا يُحمل على الاختلاف على القرار فلا يصدر، ما يجعل القانون نافذاً.توزيع الأرباح والخسائر هذا مرتبط ببازار سياسي، من دونه المشكلة أكثر تعقيداً. كما يملك برّي ووليد جنبلاط تغييب العضوين الشيعيين والعضو الدرزي تبعاً لما حصل عام 2013، دونما إغفال انضمام العضوين السنيين هذه المرة، لرئيس الجمهورية أن يفعل شأناً مماثلاً بتغييب أعضاء مسيحيين، يفقدون قرار المجلس الدستوري الأصوات القانونية السبعة الملزمة للتصويت عليه.