في زمن الخديعة الكبرى المسماة “القطاع المصرفي متين” نشطت حملات تسويق برامج تأمينات الحياة في المصارف، تحت عناوين وشعارات برّاقة. هذه البرامج تبيعها لزبائن المصرف شركاتُ التأمين التابعة للمصارف أو تلك المتعاملة معها، وفق ما يُعرف بالتأمين عبر المصارف. نجحت هذه الحملات في توريط عدد لا يستهان به من عملاء المصارف ببرامج تقاعد وإدخار وتعليم وما شابه. ومع انكشاف أزمة المصارف وتجميد أموال المودعين المستمرة منذ تشرين الأول عام 2019، فقد الزبائن ثقتهم بالتأمينات والمصارف معًا، لاسيّما وأنّ آجال استحقاقاتها طويلة الأمد، وشهدت المصارف في الآونة الأخيرة توجّه العدد الأكبر من العملاء إلى إلغاء برامج الإدخار والتقاعد، وفق ما كشفت مصادر مصرفية لـ “لبنان 24” خصوصًا أنّ المصارف فرضت على العملاء تأمين الأقساط الشهرية بالدولار النقدي.
المعضلة أنّ المصارف تتمادى في خرق القانون وتعيد أموال برامج التأمينات للعملاء باللولار، علمًا أنّها تقاضتها بالدولار، وتذهب أكثر من ذلك فتعمد إلى إعادتها على دفعات شهريّة بسقوف محدّدة، أو بموجب شك مصرفي. على سبيل المثال أحد العملاء الذي يرتبط بثلاثة برامج مع مصرف كبير، للتعليم والإدخار والتقاعد، بلغ مجموعها 17 ألف $، طلب إلغاءها بعدما فرض عليه المصرف أن يدفع القسط الشهري فريش دولار، لكنّ المصرف عرض عليه إعادتها بمبلغ لا يتجاوز الألف دولار شهريًا فقط، على دولار 3900 ليرة، وذلك قبل أن يعدّل مصرف لبنان التعميم 151، ويرفع دولار السحوبات إلى 8000 ليرة.
عميل مرتبط بإحدى هذه البرامج التأمينية مع واحد من أكبر المصارف يقول لـ “لبنان 24” كنت أتردد على فرع للمصرف قريب من منطقة سكني في بيروت لأتقاضى راتبي الشهري، في أحدى الزيارات سألني موظف البنك عن عدد أولادي وأعمارهم، وقدّم لي شرحًا عن برامج إدخار أقساط الجامعة، فانخرطت باثنين بعنوان إدخار تعليم مقابل 25 $ عن كلّ ولد، لاحقًا عرضوا عليّ برنامج تأمين على الحياة، في حال تعرّضت لحادث أدى إلى عاهة ما يسددون لي راتبًا شهريًا، فوافقت أيضًا وارتبطت إذا بثلاث بوالص تأمين منذ عشر سنوات. بعد نشوب الأزمة الماليّة لم يعد لي ثقة بكل النظام المصرفي والتأميني، حاولت سحب أموالي لكنّهم رفضوا تسديدها بالدولار وعرضوا إرجاعها على 3900، ورفضوا إخضاعها للتعميم 158 أي بإرجاع 400$ نقدي،وفي كلّ مرّة كنت أراجع مدير الفرع كان يقول نحن كمصرف لا علاقة لنا بهذه البوالص العائدة لشركات التأمين، علمًا أنّ المصرف هو من سوّق البرامج وتعامل معي وليس شركة التأمين التي لا أعرفها. مؤخرًا طلبوا مني أنّ أسدد البوالص بالدولار النقدي، أو عبر شيك مصرفي بالدولار، قيمتها الشهرية 80 $ أي ما يوازي راتبًا كاملًا، فعمدت إلى تجميدها لستّة أشهر وفق اقتراحهم.
عقود هذه البرامج تخضع لقانون حماية المستهلك، والمبدأ نفسه ينطبق على الودائع التي تخضع للقانون العام، وفق ما أكدّ لـ “لبنان 24” رئيس جمعية المستهلك الدكتور زهير برّو، “القانون ينصّ على أنّ عملة حساب التأمين ملزمة وفق ما اتفق عليها في العقد، وفي حال استوفتها شركة التأمين أو المصرف بالدولار يحب إعادتها بعملة الإيداع أي الدولار. أمّا ما يجري حاليًا لجهة تسديدها بالليرة اللبنانية أو باللولار، فهو إجراء غير قانوني على الإطلاق، خصوصًا أنّه لم يصدر أيّ قانون بهذا الإتجاه عن المجلس النيابي يشرّع التعديل في القانون الأساسي، أي قانون حماية المستهلك وقانون النقد والتسليف، الذي ينصّ على اعادة المال بعملة الإيداع” أضاف برّو أنّه يمكن للعملاء أن يلجأوا إلى القضاء المختص، ويجب التنبّه من أي أفخاخ تضمنها العقد.
من جهته المحامي رفيق غريزي عضو مؤسس في رابطة المودعين، لفت في اتصال مع “لبنان 24” إلى أنّ كلّ القواعد القانونية تحمي المودعين وأصحاب البوالص الذي اشتركوا بما يسمى المحفظة الماليّة، لكن المعضلة تكمن في عدم احترم القواعد القانونية. وعن طلب المصارف تسديد البوالص بالفريش دولار قال “هذه هرطقة، وما يحصل في البوالص وفي الودائع بشكل عام هو عملية سوء أمانة واحتيال، فضلًا عن إيهامهم العميل بالإشتراك في هذه البرامج مع نيّة مسبقة بالإنقضاض عليها”.
أضاف غريزي “نحن كنّا أول جمعية تقدم أخبارًا إلى النيابة العامة التمييزية بهذا الإتجاه، وما حصل في الدعاوى التي أقيمت أنّ الأحكام بدت وكأنّها دعاية للقاضي الذي أصدرها وأنصف فيها المودع. وهنا نميّز بين نوعين من القضاة، أولئك الذين يرأسون المحاكم الإبتدائية، أصدروا أحكامًا ضد المصارف وإلى جانب المودع، في حين أنّ محاكم الإستئناف لم تفسخ هذه الأحكام، لكن في الوقت نفسه استخدمت سلطتها لإيقاف تنفيذها، بالتالي العبرة ليست في الحكم الذي قد يصدر بل بتنفيذه”.