أكثر ما ينطبق على واقع العدلية وزواريبها هذه الأيام المقولة الآتية التي تحتاج الى تفكيك إن أمكن: ” لم نجد حلاً يحلّ محل الحلّ الحالي لحالتنا الحالية”،وذلك مع وصول التأزم في الجسم القضائي الى حد نشوب معارك حول الصلاحيات وتناقض في الإجتهادات وكفّ يد قضاة من قبل زملائهم القضاة، كان آخرها الشكوى التي تقدم بها المدّعي العام العدلي السابق في ملف إنفجار مرفأ بيروت القاضي غسان الخوري على خلفية قرار كف يده وردّه عن متابعة إبداء الرأي في المذكرات والمراسلات والدفوع الشكلية التي تجري بين المحقق العدلي القاضي طارق البيطار وأطراف الدعوى، والذي صدر عن هيئة محكمة التمييز الجزائية برئاسة القاضية رندا كفوري وعضوية المستشارين القاضيين رولا مسلّم وفادي العريضي.
المدّعي العام العدلي السابق كان قد واجه دعوى إرتياب مشروع، تقدّمت بها نقابة المحامين في بيروت في أيلول الماضي ، عبر مكتب الإدعاء لديها بحق القاضي الخوري، وذلك بصفتها أحد المدّعين في القضية عن معظم أهالي الضحايا والمتضرّرين، مستندة الى ” أسباب موجبة تتمثل بسلوك القاضي الخوري وقراراته في ملف نيترات الأمونيوم، حتى قبل حدوث الإنفجار والتي تبعث على الإرتياب”، على ما ورد في كتاب الدعوى، إضافة الى عرقلة التبليغات الخاصة بملف المرفأ، ودائماً بحسب نقابة المحامين.
المحقق العدلي في الملف القاضي طارق البيطار كان قد أحال بدوره كتاباً الى النيابة العامة التمييزية تضمن إشارة حول ” الإخلال الوظيفي للقاضي الخوري”، ردّ عليه يومها المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان بالوقوف الى جانب زميله في التمييزية معلّلاً أن ” لا شبهة ولا دلالة على وجود إخلال في العمل الوظيفي لدى القاضي الخوري وأن الكتاب فارغ”.
مجلس القضاء الأعلى ” ما قصّر” أيضاً بإبداء الرأي في هذا السياق، عندما أشار في نيسان الماضي الى أنه ” يحق للقاضي الخوري وضع يده على الملف وغيره من الملفات سنداً الى قرار توزيع أعمال قضاة النيابة العامة الصادر في العام ٢٠١٩، وهو يعمل، أي الخوري، بموجب المهمة الموكلة اليه”.
بناءً على كل ما تقدم، يؤكد مصدر عدلي أن الإختلاف في الرأي لا يُفسد في الودّ القضائي قضية، وعليه فأن التباين بالرأي بين المدّعي العام العدلي السابق والمحقق العدلي على سبيل المثال لا الحصر هو أمر صحي وقانوني وبالتالي لا يشكل إرتياباً مشروعاً أو غير مشروع، وأن ما يحدث ضمن جدران العدلية ثم يتسرّب خارجها هو مجرد ” محاكمة وهوبرة إعلامية”، فمسار التحقيق يجري على مستويات غير سهلة على الإطلاق وسط تعطيل متعمّد بفعل الدعاوى المقدّمة من السياسيين الملاحقين في الملف، في سعي دؤوب للإفلات من المساءلة والمحاسبة، وهذه واقعة ثابتة للجميع.