“رب ضارة نافعة” قد يكون هذا هو العنوان الابرز لواقع الصناعة اللبنانية اليوم، والتي جاءت الازمة الاقتصادية الحالية لتضعها على السكة الصحيحة، ولتعيد رسم الرؤية الصناعية في لبنان بشكل علمي وواقعي بعد طول غياب.
مؤشرات واعدة
بالرغم من الظروف الصحية والأقتصادية الصعبة التي مر بها لبنان في السنتين الاخيرتين، وما زال يمر بها حتى الان. فإن الصناعة في هذا البلد ما زالت في وضع جيد، وهي سجلت تقدماً ملحوظاً في العام الماضي.
يتوقع لهذا الواقع ان يستمر في الاعوام المقبلة، بحسب وزير الصناعة جورج بوشكيان، الذي قال لـ “لبنان 24”: “بالرغم من أن مؤشرات عام 2021 لم تظهر بعد فإن التوقعات أن تكون النتائج جيدة هذا العام أيضاَ”.
وقال:” كان من نتائج الازمة الاقتصادية أن انخفض الاستيراد بنسبة كبيرة الامر الذي اعطى فرصة أكبر للمنتجات المحلية لتنمو وتزدهر في السوق المحلي وبأسعار تنافسية”.
وأضاف:” فبعد أن كانت وجهة الصناعات اللبنانية بمعظمها بإتجاه الاسواق الخارجية، بات قسم كبير منها يباع اليوم في الاسواق المحلية”.
الحل بالطاقة المستدامة
لا يخفي الوزير”بوشكيان” تأثير مشكلة الطاقة وكلفتها على الصناعة اللبنانية، ولكن هذا التأثير هو بنسب متفاوتة”، وأوضح قائلاً: “هناك أنواع من الصناعات لا تتعدى كلفة الطاقة فيها من مجمل الكلفة الانتاجية ال 5% ، وهي لا تحتاج إلى نسبة عالية من الاستهلاك الكهربائي. في حين أن هناك صناعات أخرى تترواح كلفة الطاقة فيها من مجمل كلفة الانتاج بين 15% و20 بالمئة وصولاً إلى50% . وهي تستهلك الكثير من الطاقة الكهربائية، كصناعة المواد البلاستكية والورق والكرتون .
وزير الصناعة كشف عن حل يعكف المعنيون على دراسته وهو تأمين ديمومة العمل بواسطة الطاقة المستدامة.
اذا كانت مشكلة غلاء المحروقات لم تسطتع أن توقف دوران عجلة الانتاج في القطاع الصناعي، فماذا عن العمال والموظفين في هذا القطاع ، والذين لم تعد رواتبهم تكفي لتعبئة سياراتهم بالبنزين للوصول إلى اعمالهم طيلة الشهر؟
أجاب وزير الصناعة :” لقد بادرت معظم المصانع إلى اعطاء العاملين لديها بدل نقل يسمح لهم بالوصول إلى اعمالهم، وهذا دليل على أن الطلب مازال موجوداً على المنتجات اللبنانية في الاسواق الخارجية، التي يتم تحصيل ثمنها بالعملة الخضراء.اضف إلى ذلك ازدياد الطلب على المنتجات اللبنانية في الاسواق المحلية كما اردفنا سابقاً”.
خطط وبرامج للنهوض
“ليس بتأمين الطاقة وحدها واعطاء بدل نقل للعمال تحل مشكلة الصناعة في لبنان. فالقطاع الصناعي بحاجة إلى خطة نهوض شاملة طال انتظارها” .يجيب وزير الصناعة على هذه الملاحظة بالقول:” نحن واعون للمشكلة من أساسها، ولذلك نعمل اليوم على برامج من شأنها تأمين قروض ميسرة للصناعيين، وخاصة اصحاب الصناعات الصغيرة والمتوسطة، كما نعمل على برامج تعنى بالتنمية الريفية، والتي من شأنها أن تشجع الصناعيين والحرفييين في المناطق البعيدة عن العاصمة على البقاء في مناطقهم. وأضاف:” هناك برامج اسثمارية خاصة بالصناعيين يجري العمل على اطلاقها اليوم ، كصندوقCedar oxygen ، والذي يجري اطلاع الصناعيين على آلية عمله تباعاً، عبر مؤتمرات وندوات تعقد في كافة الاراضي اللبنانية. صناعات عالمية دخلت المصانع اللبنانيةمن جهته رأى رئيس جمعية الصناعيين في لبنان فادي الجميل، أن الصناعة في لبنان أثبتت جدارتها بالرغم من الازمة القائمة، وهي مرشحة لتلعب دوراً اكبر في المستقبل. وكشف في حديث لـ” لبنان 24″ أن بعض الأصناف الغذائية العالمية أصبحت تصنع في لبنان بناء على اتفاقات مع الشركات الام، وهذا مؤشر ايجابي على مستقبل القطاع الصناعي”.الجميل قال أيضاً:” كان طرحنا دائماً قبل هبوب عاصفة الدولار ان لبنان ، بما يملك من امكانات صناعية جيدة، قادر على خفض فاتورة الاستيراد من الخارج، والبالغة حوالي عشرين مليار دولار سنوياً ، وذلك من خلال تشجيع الصناعة المحلية، والقادرة على انتاج ما يقارب الخمسة مليارات دولار سنوياً. على أن نعود بصادراتنا الى ما كانت عليه قبل عام 2011 اي حوالي اربعة مليارات دولار”.رئيس جمعية الصناعيين قال ايضاً:” اليوم في مفاوضاته مع لبنان يركز صندوق النقد الدولي على ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بتخفيض نسبة الدين من الناتج المحلي،. وهذا لن يتم إلا عبر زيادة الناتج الوطني، وتشجيع الصناعة الوطنية لا ينعكس ايجاباً على القطاع الصناعي فقط . فهناك الكثير من القطاعات تستمد استمراريتها بشكل كبير من أزدهار هذا القطاع “، وفقاً لرئيس جمعية الصناعيين الذي يضيف: ” من المعروف ان الصناعة هي محرك اساسي لعدد كبير من القطاعات الاخرى مثل قطاع النقل وقطاع الزراعة وشركات الاعلانات وشركات التأمين ومدققي الحسابات وغيرها”.ضرورة التنسيق مع سوريا ولكن…وفي ما يتعلق بالتنسيق مع سوريا كأحد الضرورات لإزدهار القطاع الصناعي في لبنان اوضح رئيس جمعية الصناعيين قائلاً: “نحن نحتاج إلى سوريا في ما يتعلق بمرور صادراتنا عبر اراضيها إلى بقية الدول العربية، ولكن في الوقت ذاته نحن نعاني من رسوم الترانزيت التي تفرضها السلطات السورية على الصادرات اللبنانية، وهذ ما نأمل ان تعمل الحكومة اللبنانية على ايجاد حل له مع السلطات السورية”.تشريعات للحمايةمصدر مطلع على واقع الصناعة اللبنانية قال بدوره “للبنان 24″:” ربما يكون صحيحا ان الازمة الحالية قد جاءت لتضع الصناعة اللبنانية على سكة التعافي بعد طول انتظار، ولكن ماذا عن جملة تحديات تواجهها هذه الصناعة نتيجة الازمة الحالية، وهو دعا الى قيام مشاريع مشتركة بين شركات لبنانية وغير لبنانية من شأنها تسهيل نقل التكنولوجيا والمعلوماتية والخبرات الى القطاعات الانتاجية اللبنانية، وسن تشريعات مشجعة وداعمة لدمج المؤسسات التجارية والصناعية.