ليس ما هو أكثر تأكيداً على أنّ المسؤولين اللبنانيين في وادٍ ونداءات المجتمع الدولي في وادٍ آخر، سوى انشغال أقطاب الأكثرية النيابية الحاكمة بـ”تسوية – صفقة” مترافقة في توقيتها مع زيارة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى بيروت.
وفيما استهل غوتيريش جولته على المسؤولين اللبنانيين، لليوم الثاني، أمس، بزيارته مرفأ بيروت للاطلاع على الأضرار التي لحقت به جراء انفجار 4 آب قبل التوجّه إلى عين التينة للقاء رئيس مجلس النواب نبيه برّي، كان العهد و”الثنائي الشيعي” في زحمة انشغالاتهما بحثاً عن حسابات على طريقة “البيع والشراء” المتبادل للوصول إلى معادلة “كلّهم رابحون” على غير صعيد سياسي وانتخابي.
وأشارت معلومات إلى أن الصفقة التي تم التداول في تفاصيلها تشمل العمل على إيجاد مخرج يؤدي إلى إقالة رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، وتعيين رئيس مجلس قضاء أعلى جديد يوافق على اسمه “التيار الوطني الحرّ”، ويعمل على تولّي تخريجة لموضوع المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار على طريقة بلورة ما يراد له أن يكون “مخرجاً قضائياً”، مقابل تقديم هديّة للنائب جبران باسيل من خلال قبول أعضاء المجلس الدستوري المقرّبين من “الثنائي الشيعي” الطعن المقدّم في تعديلات قانون الانتخابات بما في ذلك البنود المتعلقة بتصويت المغتربين والعودة إلى الدائرة 16، كما إرجاء موعد الانتخابات الى أيار بدلاً من آذار.
ويضاف إلى ذلك نية “التيار البرتقالي” تعيين 65 موقعا مسيحيا في الإدارات بينها مواقع قضائية.
ولفتت مصادر سياسية مواكبة أن إرجاء المجلس الدستوري بتّ قراره إلى اليوم، أتى بعد تضاؤل فرص التوصل الى التسوية التي كانت تُطبخ بين حلفاء الأكثرية النيابية الحاكمة، مع ترجيح عدم التوصل إلى قرار في الطعون كتوجّه نهائي خلال المداولات الاخيرة بين أعضائه في حال بقي انحسار امكان التوصل إلى تسوية قائماً في الساعات المقبلة.
وأشارت إلى أن الأجواء العامة تنحو باتجاه فرط التسوية – الصفقة، لكن هناك ما يشير إلى ضرورة التمهل لئلا تتصاعد مؤشرات الوصول إلى تسوية في الساعات المقبلة من جديد.
وأكدت الأجواء عدم موافقة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على السير بها.
وهناك في المجالس السياسية من أثنى على خيار ميقاتي الرافض لهذا العرض، باعتبار أنه سيكون الخاسر كما موقع الرئاسة الثالثة، حتى وإن تم التوصل إلى حلحلة في العراقيل التي تحول دون عودة جلسات مجلس الوزراء الى الانعقاد.
وأكدت المعطيات أن خيار ميقاتي واضح لجهة رفضه السير بتسويات من هذا النوع.
وأوضح المكتب الإعلامي للرئيس ميقاتي أمس موقفه مما أسماه التداول بأخبار وتسريبات تتناول موقفه في أعقاب الاجتماع الذي عقده مع دولة رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة.
وأوضح البيان أن ميقاتي كرر خلال الاجتماع، موقفه المبدئي برفض التدخل في عمل القضاء بأي شكل أو اعتبار مجلس الوزراء ساحة لتسويات تتناول مباشرة أو مواربة التدخل في الشؤون القضائية بالمطلق.
وكرر ميقاتي وجوب أن تكون الحلول المطروحة للاشكالية المتعلقة بموضوع المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء مناطة بأحكام الدستور دون سواه، من دون ان يقبل استطرادا باي قرار يُستدل منه الالتفاف على عمل المؤسسات.
وأبلغ رئيس الحكومة هذا الموقف إلى عون وبري، وهو موقف لا لبس فيه على الاطلاق.
وخلص البيان إلى أن ميقاتي مستمر في مهامه وفي جهوده لحل قضية استئناف جلسات مجلس الوزراء، وأي موقف لاحق قد يتخذه سيكون مرتبطا فقط بقناعاته الوطنية والشخصية وتقديره لمسار الأمور.
وعلى عكس الأجواء الحامية التي ظهرت بعد ظهر أمس على صعيد الأخذ والرد في “التسوية – الصفقة” كانت الفترة الصباحية شهدت نوعاً من الهدوء النسبي في ظلّ اللقاءات التي عقدها غوتيريش في مقرّ الرئاستين الثانية والثالثة.
واعتبر غوتيريش في مؤتمر صحافي مشترك من “عين التينة” أنه “آن الأوان لزعماء لبنان أن يتحدوا، وآن الأوان للمجتمع الدولي أن يقدم المزيد من الدعم للشعب اللبناني.
الأمم المتحدة متضامنة مع اللبنانيين، وقمتُ بزيارة إلى مرفأ بيروت وأعرف معاناة الشعب لمعرفة حقيقة الانفجار”.
وقال برّي: “تكلّمنا مع غوتيريش حول المفاوضات البحرية برعاية الأمم المتحدة ولا يزال هناك مماطلة مما يؤثر في اقتصادنا، وهناك مسؤولية على إسرائيل لخرقها الأجواء اللبنانية وضرب سوريا”.
ثمّ أشار غوتيريش بعد لقائه ميقاتي في السراي إلى أن “لبنان اليوم يعاني الأمرّين وهو بحاجة أيضاً إلى دعم المجتمع الدولي.
ونتوقّع من اللبنانيين أن يقوموا بواجباتهم لمواجهة هذه الأزمة”.
ولفت إلى أن “رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أكّد التزام الحكومة إجراء المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وكذلك التزام الحكومة إجراء عدد من الإصلاحات الإدارية والماليّة اللازمة لكي يتمكّن لبنان من الاستفادة بالكامل من الإمكانات المتاحة الآن في ظل الدعم الدولي المتاح للبنان”.
وأكد أنّه “حصلنا على ضمانات أن الانتخابات ستجرى أوائل شهر أيار من العام المقبل، ريثما يتم اتخاذ مختلف الإجراءات الدستورية المحقّة، وهذا يعني أن لبنان سيهيّئ الإطار المناسب للتصدي للأزمة الحالية وسوف يتمكّن من تحسين الوضع القائم”.
وأشار ميقاتي إلى أن “الأزمة الحاليّة أعادت خلط الأولويات التنموية للبنان، بحيث أصبح تأمين الأمن الغذائي ومكافحة الفقر ودعم الفئات الضعيفة وتوفير الطبابة والطاقة والمياه والتعليم والنقل في أعلى سلم الأولويات التنموية، كذلك تحقيق الاستقرار النقدي”.
وركّز على أن “لبنان يحتاج إلى مساعدات عاجلة في المجالات المذكورة، مع إيلاء أهميّة خاصة لتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية للجميع بشكل مستدام يتخطّى القروض الميسّرة، وتطوير بطاقة تموينية، مع التركيز على إيصال المساعدات إلى الفئات الأكثر فقراً، وتلك التي كانت تنتمي إلى الطبقة الوسطى، إضافة إلى الشرائح المهمّشة”.