زيارة غوتيريس بأيامها الأربعة وبرنامجها الحافل: ما خُفي أعظم؟

21 ديسمبر 2021

كان يمكن للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس أن يوفد مبعوثًا عنه إلى لبنان لإيصال ما أراد من رسائل، أو للوقوف على حقيقة الأزمات اللبنانية السياسية الإجتماعية والمالية. لكنّه حضر شخصيًّا، مخصّصًا للبلد المتوسطي الصغير أربعة أيام “بالطول وبالعرض”  ببرنامج حافل بالجولات واللقاءات، لم تقتصر على المرجعيات السياسيّة بل شملت المرجعيات الروحيّة وممثلين عن المجتمع المدني، أسمع خلالها المسؤولين كلامًا اعتادوا سماعه من الموفدين الدوليين، وتجاهله فور ذهابهم.

 
في قراءة لأبعاد زيارة أرفع مسؤول أممي للبنان، لا شكّ أنّها أوحت أنّ لبنان لا زال في أجندة المجتمع الدولي والأممي تحديدًا. بطبيعة الحال شكّلت الإنتخابات النيابية المقبلة محورّا أساسّا في جدول الزيارة، وليس أدلّ على ذلك سوى ما أعلنه غوتيريس من أنّ “المنظّمة الدوليّة حصلت على تأكيدات وضمانات من الزعماء اللبنانيين بأنّ الإنتخابات المرتقبة سنة 2022 ستجري في أيار المقبل”. إذن أراد غوتيريس إنتزاع تعهّد رسمي من بيروت بعدم تطيير الإنتخابات، والمفارقة أنّه بينما كان يعلن ذلك، كان المجلس الدستوري ملتئمًا لإتخاذ قراره في الطعن المقدّم أمامه ببعض مواد قانون الإنتخاب، ومن شأن قبوله في المادة المتعلقة بآلية اقتراع المغتربين أن يطيح باقتراع المغتربين.
 
وفق قراءة الصحافي جورج علم، الزيارة على قدر كبير من الأهمية “فالزائر هو أمين عام الأمم المتحدة، لا يتحرك تلقائيًا إلا بوجود توافقات دوليّة حول هدف معين، في حال كانت الزيارة استطلاعيّة، فهو ليس بحاجة إلى الحضور شخصيًا، خصوصًا أنّ هناك خمسة من كبار موظّفي الأمم المتحدة يعملون في بيروت ويتابعون كل حدث بتفاصيله، سواء أكان سياسيًّا ماليًّا اقتصاديًّا أمنيًّا أو قضائيًّا، بالتالي هو ملّم تمامًا بالوضع اللبناني”.  علم في حديث لـ “لبنان24” لفت إلى أنّ الزيارات التي يقوم بها غوتيريس نوعيّة من حيث مواضيعها الشاملة لكل الملفّات “لكن السؤال المطروح هل الحل والربط لدى القوى التي يلتقيها أم أنّ هذه الزيارة تخفي أهدافًا مستقبليّة؟ خصوصًا أنّ الزيارة لا تقاس بنتائجها الحاليّة، لكن بما سيكون عليه لبنان اعتبارًا من العام المقبل، وهو عام الإستحقاقات، سواء ما يتعلّق بالإنتخابات النيابيّة أو الإنتخابات الرئاسيّة أو في ظلّ التطورات المتسارعة في المنطقة وموقع البلد ضمن محاورها المتصارعة”.
 
في تصريحات غوتيريس دعمٌ للحكومة ومعاودة جلساتها، إذ تحدّث عن حكومة فاعلة “لا يحق للقادة السياسيين أن يقسموا ويشلّوا البلد” خصوصًا “أنّ الشعب اللبناني اليوم يعاني الأمرّين، وهذا يلقي مسؤولية كبيرة على عاتق القادة اللبنانيين لكي يوحّدوا أنفسهم ويجتمعوا”. لكن أبعد من مواقفه المعلنة من بيروت، طرح علم جملة أسئلة حيال زيارة الأمين العام للأمم المتحدة “حتّى الآن لا جواب عليها لكن أتوقع أن تظهر أجوبتها في طالع الأيام”.
 
“السؤال الأول هل هناك من دور كبير ستلعبه الأمم المتحدة لتوسيع عمل قوات اليونيفل العاملة في الجنوب، بحيث تشمل كلّ المناطق اللبنانية الحدودية مع سوريا وفلسطين المحتلّة؟ هذا سؤال مطروح، لأنّ بعض القرارات الدوليّة التي اتخذها مجلس الأمن الدولي تنصّ على نوع من التنسيق مع الأمم المتحدة حول هذا الموضوع، بالتالي هذا الأمر مطروح وراء الكواليس.
 
السؤال الثاني هل تشكّل الإنتخابات النيابية سواء جرت في آذار أو في أيار أداةً للتغير فعلًا، أم أنّها سوف تعيد إنتاج نفس الطبقة السياسيّة الحاكمة مع بعض التغييرات والوجوه التي لا تؤثر في مجرى التغيير؟ هذا سؤال كبير ليس فقط على مستوى الأمم المتحدة، بل على مستوى السفارات التي تريد فعلًا حصول تغيير في لبنان من خلال الإنتخابات، لكن لا ترى حتّى الآن بأنّ الإنتخابات ستأتي بالتغيير المنشود.السؤال الثالث والمهم، أين موقع لبنان في صراع المحاور؟ وهل فعلًا يجب أن يكون هذا البلد ملحقًا بمحاور أم عليه أن يعتمد سياسة إن لم تكن الحياد الإيجابي ولكن على الأقل تحفظ له سيادته وتنوّعه، لأنّ هناك حاجة دوليّة لأن يستمر هذا البلد بتفاعلته وأطيافه ومجتمعه وتلاوينه المذهبية والطائفية”.
 
أضاف علم أنّ تحرّك غوتيريس حيال لبنان في هذا التوقيت ليس تلقائيًّا، بل ربما يخطّط لأمر ما في المستقبل، وربما تقوده هذه الزيارة إلى بعض التفاصيل التي سوف يبني عليها عند تحرّكه المستقبلي.بأي حال أن يبدي المجتمع الدولي ومسؤولوه اهتمامًا بلبنان وشعبه، أكثر من بعض المسؤولين اللبنانيين الذين يعطلّون كل محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ففي ذلك إدانة ترتقي إلى مستوى الجريمة بحق الشعب والدولة والمؤسسات المعطّلة من قبل أصحاب المصالح الخاصة .