آخر ايام المجلس الدستوري!

22 ديسمبر 2021
آخر ايام المجلس الدستوري!

قد أكون واحدًا من بين الآف هلّلوا لعدم صدور قرار عن المجلس الدستوري في شأن الطعن الذي تقدّم به “التيار الوطني الحر” حول إبطال التعديلات التي أقرّها مجلس النواب على قانون الإنتخابات. وسبب التهليل هو أنني كنت ولا أزال مع إعطاء المغتربين اللبنانيين، الذين أثبتوا أنهم أكثر لبنانية من كثير من اللبنانيين المقيمين، حقّ المشاركة الفعلية في الحياة السياسية الداخلية، والتصويت لـ 128 نائبًا، كل في دائرته. فهذا التصويت سيكون مختلفًا هذه المرّة عن تجربة العام 2018، وكانت يومها تجربة جديدة وأولية. أمّا هذه المرّة فسيكون الأمر مختلفًا، خصوصًا أن اللبنانيين غير المقيمين محرّرون من أي وصاية سياسية، وهم يعيشون في بلاد تقدّس الحرية الشخصية وتحترم الأصول الديمقراطية وتدعو إلى ممارستها بكثافة وفاعلية وبحرية مطلقة وفق ما تمليه القناعات الشخصية لكل ناخب. 

ولكن هذا التهليل لا يعني التشّفي من أحد، ولا يعني بالتالي أن عدم صدور قرار، أيًّا يكن، عن أعلى مرجعية دستورية هو أمر سليم ويعبّر عن عافية دستورية وقانونية. فلو رفض هذا المجلس الطعن لكان زاد التهليل تهليلًا. أمّا لو قبله فلكنا إنحنينا لهذا القرار حتى ولو لم يكن يناسبنا أو يتطابق مع قناعاتنا.  
أمّا الاّ يستطيع المجلس، وهو يضم أعضاء يُفترض أنهم يتمتعون بالكفاءة وعدم خضوعهم للإملاءات السياسية، وهذا ما أكدّ رئيسه القاضي طانوس مشلب، أن يتخذ أي قرار، سواء أكان يعجبنا أم لا، فهذا يمكن إعتباره من ضمن الخطط التي أوصلت البلاد إلى ما وصلت إليه، وهي مرحلة خطيرة جدًّا، وهي تُختصر بأن الطائفية والفئوية لا تزال متحكّمة، وبقوة، بمفاصل المؤسسات الرسمية، حتى تلك التي يُفترض بها أن تكون محصّنة وملقحة ضد “فيروس” الطائفية. 
وما حصل في المجلس الدستوري، وهذا ما كان “لبنان ٢٤” اشار اليه قبل شهر تقريبًا، يحصل كل يوم في السياسة والأمن والقضاء. وما مسألة ربط البعض العودة إلى طاولة مجلس الوزراء بشرط “قبع” القاضي طارق البيطار من موقعه كمحقق عدلي في إنفجار المرفأ سوى عيّنة عن طريقة التعاطي مع الملفات بمقاييس طائفية وفئوية. وبهذه الطريقة لا يمكن أن تكون للوطن قيامة، لا اليوم ولا غدًا.    
ما لم يسع الاجتهاد القانوني فعله، كان للاجتهاد السياسي مفعوله في ايجاد اسباب عدم صدور أي قرار عن المجلس الدستوري، عبر “تغييب” للاعضاء الثلاثة الذين يكفلون نصاب اتخاذ القرارات، على نحو مماثل لما كان حدث عام 2013. فالمتغيّبون يفضّلون التعبير عن رفضهم تقرير المقرّر بالانقطاع عن جلسات المذاكرة، عوض التزام المادة 12 في قانون انشاء المجلس القائلة ان للعضو المخالف تدوين مخالفته وتوقيعها واعتبارها جزءاً لا يتجزأ من القرار. بيد ان المقصود ليس مخالفة القرار، بل الحؤول دون اتخاذه. وهو الدور الذي يضطلع به آباء المجلس الدستوري. مذذاك نشأت تلك السابقة، وأضحت نموذجاً يدرج لاحقاً في كل مرة اختلف الافرقاء المعنيون بالقانون المطعون فيه، سواء كانوا معارضين له او مؤيدين، الى ان يتوصلوا الى تسويات من خارج المجلس الدستوري، فلا يعود اليه اذذاك الا تبرير عدم صدور قراره.وعليه، فإن القديم سيبقى على قدمه من حيث التعديلات التي اقرّها مجلس النواب، وسيشارك المغتربون في الإنتخابات النيابية، التي ستحصل على الأرجح في 15 أيار المقبل، وستكون لمشاركتهم هذه المرّة نكهة خاصة، خصوصًا بعدما تخطّت أرقام المسجّلين مستويات غير مسبوقة، على أن يبقى الرهان على المقيمين المطلوب منهم أن يصوتّوا صحّ، كخطوة لا بدّ منها لبدء مسيرة التغيير. هذا في حال لم يعمد البعض إلى “تطيير” الإنتخابات. وللحديث تتمة.