أعاد اللاقرار من المجلس الدستوري بشأن الطعن المقدم من التيار الوطني الحر برئاسة جبران باسيل بقانون الانتخاب المعدل في مجلس النواب، الأمور الى نصابها بشأن هذا الاستحقاق الذي سيجري على القانون الحالي الذي طُبق لأول مرة في دورة عام 2018، كما ساهم في حماية الاغتراب اللبناني في كل القارات من إنتقال التجربة اللبنانية السيئة سياسيا وطائفيا ومذهبيا إليهم، حيث سيمارسون حقهم في إنتخاب الـ128 نائبا كل بحسب مكان ولادته الأمر الذي يعتبره كثير من المغتربين خطوة أساسية لربط لبنان المغترب بلبنان المقيم في الانتخابات التي من المفترض أن تجري في 15 أيار المقبل.
لا شك في أن اللاقرار من المجلس الدستوري قد أعطى كثيرا من المؤشرات السياسية، لجهة:أولا: نجاح رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي في إسقاط صفقة مقايضة قرار المجلس الدستوري بقضية المحقق العدلي طارق البيطار، والتأكيد لمرة أخيرة أن ميقاتي الذي جاء الى الحكم من أجل إستعادة هيبة الدولة وثقة المجتمع الدولي، يرفض التدخل السياسي بالقضاء، ولا يقبل بأي صفقة تعقد على حساب المؤسسات أو إستقلالية السلطة القضائية، وبالتالي فإنه ماض في جهوده الرامية الى إستئناف جلسات مجلس الوزراء والتي باتت أكثر من ضرورية لاقرار بعض الملفات الاقتصادية والمعيشية التي باتت جاهزة لتأخذ طريقها نحو التنفيذ، حيث تتساءل بعض المصادر عن الحكمة من وراء تعطيل عمل الحكومة في وقت تتضاءل فيه الى حدود العدم مقومات العيش الكريم للشعب اللبناني.
ثانيا: إنطلاق التحضير الفعلي للانتخابات النيابية التي قد تدفع كثيرا من الأطراف الى رفع السقوف والتحريض الطائفي والمذهبي لاستمالة الشارع أو إسترجاع شعبية باتت شبه مفقودة، الأمر الذي سيكون له إنعكاسات سلبية على الساحة اللبنانية.ثالثا: رسم علامات إستفهام عدة، حول إمكانية إستمرار العلاقة التحالفية بين التيار الوطني وحزب الله، خصوصا بعد المؤتمر الصحافي الناري للنائب جبران باسيل الذي شن فيه هجوما على الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله) متهما إياه بالتوجه نحو تحالف رباعي جديد يضمه الى جانب الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل، الأمر الذي دفع جمهور التيار البرتقالي الى إستخدام مواقع التواصل الاجتماعي لتوجيه إنتقادات لحزب الله، حيث إعتبر بعضهم أن تفاهم مار مخايل بات في عداد الموتى.رابعا: التداعيات التي يمكن أن تنتج عن المواقف التصعيدية لباسيل الذي قد يجد نفسه من دون أي حليف في الانتخابات النيابية المقبلة فضلا عن مخاوفه من المغتربين المسجلين للاقتراع كونه يعلم أن معظمهم يميل نحو المعارضة، ما يطرح سؤالا جوهريا حول الموقف الذي سيتخذه الرئيس ميشال عون وهل سيقف مكتوف اليدين أمام إستفراد وريثه السياسي في إنتخابات مفصلية من شأنها أن تحدد معالم المعركة الرئاسية المقبلة.
خامسا: دعوة الرئيس ميشال عون المجلس الأعلى للدفاع الى الانعقاد اليوم، ما أثار ريبة لدى البعض، قبل أن تؤكد مصادر مطلعة أن المجلس سيتخذ قرارا واحدا فقط حول تمديد التعبئة العامة المتعلقة بكورونا..
كل ذلك، يؤكد أن الأمور ذاهبة نحو مزيد من التأزم، في حين يرى البعض أن العطلة التي ستفرضها الأعياد ربما تكون فرصة لاعادة النظر في كثير من المواقف، والتفتيش عن مخارج منطقية للأزمات بالعودة الى الدستور والقانون، خصوصا أن الشعب اللبناني الذي يتطلع الى حكومة فاعلة تؤمن له أبسط مقومات العيش لن ينتظر طويلا..