كتب المحرر السياسي:
انتهى “شهر الانتظار” لقرار المجلس الدستوري بشأن الطعن المقدَّم من “التيار الوطني الحر” أمام المجلس الدستوري بشأن التعديلات التي أقرّها مجلس النواب على قانون الانتخاب، إلى “سابقة” من نوعها، عبر “لا قرار”، رغم أنّ قانونيّي “التيار” كانوا واثقين بأنّ الطعن “مبكّل”، وإنّ قبوله “حتميّ”، سواء بشكل كلّي أو جزئيّ.
في النتيجة كما ظهرت في الساعات الماضية، خرج رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل غاضبًا، وإن أجّل الردّ “العملي” في السياسة إلى وقتٍ لاحق، يرجّح أن يكون مطلع العام الجديد، أي بعد انقضاء موسم الأعياد، مكتفيًا في الوقت “المستقطَع” بتوزيع الاتهامات، التي نال “حلفاؤه” النصيب الأكبر منها، حتى إنّ عددًا من الناشطين “العونيّين” لم يتردّدوا في “نعي” تفاهم مار مخايل بين “التيار” و”حزب الله”.
لكن، إذا كان كثيرون اعتبروا “سقوط” الطعن، أو بالتعبير القانونيّ “انعدام القرار” بشأنه، “هزيمة” لباسيل وتيّاره، ولفريق رئيس الجمهورية بالدرجة الأولى، فإنّ ثمّة من يؤكد أنّ “التيار” لم يكن المتضرّر الوحيد، ولا حتى الأكبر ممّا حصل، لأنّ ما حصل، وما واكبه خصوصًا من “تسريبات” على مدى الأيام الماضية، يطرح إشكالية “المجلس الدستوري” نفسه، وما بقي منه كمؤسسة “مراقبة” لسلامة القوانين، بعيدًا عن أيّ “تسييس”.
“سقطة” للمجلس الدستوري
على هامش إعلانه قرار “اللا قرار” للصحافيين بعد انتهاء جلسة المجلس الدستوري، لم يتردّد رئيس المجلس القاضي طنوس مشلب في اعتبار “السابقة” التي حصلت بمثابة “سقطة” للمجلس. سرعان ما تبنّى رئيس الجمهورية ميشال عون التعبير نفسه، عبر مصادره، وكذلك فعل رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل في مؤتمره الصحافي، متحدّثًا عن “سقوط إضافي للدستور الذي نحاول أن نحافظ عليه”.
صحيح أنّ رئيس المجلس الدستوري قصد بـ”السقطة” إخفاق المجلس في إصدار قرار بعد جولات روتينية، وإن حاول التخفيف من وقع هذا “السقوط” بتسجيل إيجابيّة اجتماعه على الأقلّ، في حين أنّ “سوابق سابقة” كانت تسجّل “تطيير” النصاب، إلا أنّ الصحيح أيضًا أنّ “السقطة الحقيقية” التي وقع فيها المجلس، برأي كثيرين، تتعدّى مسألة هذا الإخفاق، لتثير مرّة أخرى إشكالية “التدخلات السياسي” في قلب المؤسسة الدستورية الأمّ.
بهذا المعنى، لم تكن “مصادفة” أن يؤجّل المجلس الدستوري قراره في الطعن المقدّم أمامه حتى اليوم الأخير من المهلة القانونية المُتاحة له، وأن يتزامن ذلك مع المعلومات عن “التسوية” التي “طارت” في اللحظة الأخيرة، علمًا أنّه قد يكون كافيًا إدخال المجلس وقراراته في “متاهات” السياسة ودهاليزها، ويوضع بندًا على خطّ “مقايضة سياسية”، حتى يشكّل “ضربة معنوية” كبرى للمجلس، الذي سيكون لما حصل تبعات عليه في القادم من الأيام.
ماذا بعد؟
هكذا، بدت المعادلة واضحة. على مدى الأيام الماضية، تحوّل المجلس الدستوري إلى “رهينة” الاتصالات السياسية، ولو أصرّ رئيسه على نفي الضغوط والتدخلات ورفضها من أساسها، وقد يكون محقًا بذلك. لو حصلت “التسوية”، وهي كانت قاب قوسين أو أدنى وفق التسريبات، لقُبِل الطعن بكلّ تفاصيله، لكنّ اصطدامها بالحائط المسدود أدّى إلى “انعدام” القرار بشأنه، في مفارقة مثيرة للجدل.
قد لا يكون قضاة المجلس الدستوري من يتحمّلون المسؤولية عن “تعميم” هذه الصورة، ومعظمهم من القضاة المستقلّين والاختصاصيّين وذوي الخبرة، لكنّ الواقع يقول إنّ السياسيين يعتقدون أنّ لهم “مَونة” عليهم، بمجرّد تعيينهم في مناصبهم، وثمّة من “يتناغم” مع ذلك، بدليل الترويج “الشائع” لهم، على أساس أنّ هذا القاضي “محسوب” على هذا الطرف السياسي، وذاك “محسوب” على آخر، ما ينزع عنهم أيّ “استقلالية” مفترضة.
وبمُعزَل عن كلّ ذلك، ثمّة أسئلة كبرى تُطرَح: ماذا بقي من المجلس الدستوري؟ ما الذي يُنتظَر منه طالما أنّه “استسلم” للا قرار في أهمّ الطعون وأكثرها حساسيّة؟ ثمّ، هل فوّض المجلس قراره إلى البرلمان، كما قرأ كثيرون؟ كيف يستعيد “الثقة” به بعد ما حصل، خصوصًا أنّ استحقاقات بالجملة يقبل عليها لبنان سيكون المجلس الدستوري جزءًا منها، سواء حصلت الانتخابات، أم تقرّر التمديد للبرلمان، وما بعد ذلك مع انتهاء ولاية رئيس الجمهورية؟
إنّها “سقطة” للمجلس الدستوري، قال كثيرون. لكنّها قبل ذلك وبعده، “سقطة” لمنظومة سياسيّة حاكمة تصرّ على “تطويع” كلّ المؤسّسات، وتحويلها إلى “أداة” في يدها تحرّكها كيفما شاءت. ليست المرّة الأولى التي يظهر فيها المجلس الدستوري وكأنه “رهينة” المزاج السياسي، وقد لا تكون الأخيرة، لكنّ “الإشكالية” تبدو اليوم أكبر من أيّ وقت مضى، في ظلّ الظروف المواكبة، التي تجعل منه “المتضرّر الأكبر” ممّا حصل، دون وجه مقارنة!