بصفتي واحدًا من بين الالآف الذين شُرّدوا قسرًا عن وطنهم ويعيشون في غربة عنه أعتبر نفسي تمامًا مثل كثيرين غيري معنيّا بكلام رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل.
فالذي يسمعه يتحدّث عن الدائرة الـ 16 الإنتخابية يعتقد للوهلة الأولى أن الرجل لا ينام الليل وهو يفكرّ في مصلحة المغتربين أو المنتشرين، وقد نصبح مشتتين إذا إستمر الواقع السياسي الداخلي على حاله ولم يطرأ عليه أي تغيير.
أريد أن أتوقّف عند هذه النقطة بالذات لأنها تعنيني كما تعني أولئك الذين تسجّلوا للمشاركة في الإنتخابات النيابية مثلهم مثل أي مواطن لبناني مقيم. حاولت أن أتفهم دوافع “التيار الوطني الحر” وإصراره على التمسك بالدائرة الـ 16 فلم أتوصّل إلى إستنتاج منطقي لهذا الإصرار سوى خشيته من أن تأتي نتائج المشاركة الإغترابية لغير مصلحته الإنتخابية، خصوصًا أنه بات يرى نفسه وحيدًا على الساحة، وهو الذي كان يتكّل على أصوات غيره في أكثر من دائرة فيها ثقل إنتخابي ترجيحي لـ”حزب الله”.
هو وحيد مسيحيًا. فلا “القوات اللبنانية” في وارد التحالف معه، ولا حزب “الكتائب” ولا تيار “المردة، ولا حتى المستقلون، ومن بينهم بالطبع من كانوا معه في السابق، وهم الذين أعطوه أكبر كتل نيابي في مجلس النواب، ومن بينهم: إيلي الفرزلي وشامل روكز ونعمة أفرام وميشال معوض وميشال ضاهر.
أمّا على الساحة السنّية، وحيث لتيار “المستقبل” ثقل إنتخابي سواء في دائرة زحلة أو عكار أو بيروت، فلا بوادر تحالف بين التيارين، وذلك بفعل التباعد الحاصل بينهما سياسيًا وإستراتيجيًا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى تكتل “الوسط”.
وعلى صعيد التحالف العوني – الجنبلاطي في الجبل فإن المعلومات تشير إلى أن الإتجاه السائد حتى الآن بالنسبة إلى الحزب التقدمي الإشتراكي يؤشّر إلى إمكانية التحالف مع “القوات اللبنانية”، وذلك وفق ما تمليه المصلحة المشتركة والدقيقة والحسّاسة في الجبل، وبالأخص في دائرتي عاليه والشوف.
أمّا بالنسبة إلى تحالف “التيار الوطني الحر” مع “حزب الله”، حيث للأخير ثقل إنتخابي تجييري لا بأس به، خاصة في بيروت وبعبدا وزحلة وفي كسروان وجبيل وحتى في البترون، بإعتبار أن الصوت الشيعي يصبّ “بلوك” واحد، وله فعله الفاعل في تأمين الحواصل المطلوبة في كل من هذه الدوائر، فيبدو أن النائب باسيل قد نسف في تصريحه الأخير كل جسور التواصل مع الحزب، والتي كانت ممكنة حتى الأمس القريب، خصوصًا أن ثمة كلامًا في أوساط “الثنائي الشيعي” بضرورة دعم مرشحي تيار “المردة”، مع أن ثمة كلامًا في كواليس “حارة حريك” تقول عكس ذلك، على رغم تأثير التوتر بين “التيار الوطني” والرئيس نبيه بري على قرار “حزب الله”.
وعن إمكانية تحالف “التيار” مع مرشحي المجتمع المدني فإنها تبدو مستحيلة، بإعتبار أن المسؤولين عن التحركات الشعبية يحمّلون النائب باسيل مثله مثل غالبية السياسيين الآخرين مسؤولية الإنهيار الإقتصادي والمالي الذي وصلت إليه البلاد.
وبعد كل هذا نسأل مع السائلين، وهم كثر، مَن المسؤول عن كل هذا الخراب الذي حلّ بالبلاد والعباد؟
بالطبع لن نحمّل النائب باسيل كامل المسؤولية، مع أنه يتحمّل هو وتياره الجزء الأكبر من هذه المسؤولية، بل يطال غضبنا كل مّن كان مسؤولًا رسميًا عن البلاد منذ خمس سنوات حتى الآن. فـ”التيار الوطني الحر” الذي رفع شعار “العهد القوي” كان شريكًا أساسيًا في كل الحكومات التي توالت على المسؤولية منذ العام 2009، وكان يُفترض به أن يقدّم نموذجًا متقدّما وتغييريًا أقله في وزارة الطاقة، التي كان يصرّ على أن يتسّلمها ،خصوصًا أن بعض الذين يسيئون الظن يصفون هذه الوزارة بأنها دجاجة تبيض ذهبًا.
بالطبع المنظومة إياها لم تفسح للتيار التغييري المجال للتغيير والإصلاح، وهو كان يعرف مسبقًا أنها “ما راح تخليه يشتغل”، ومع ذلك أدخل البلاد في حال فراغ طوال سنتين ونصف السنة قبل إنتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية.
ونسأل بعد كل هذا: هل من مصلحة جبران باسيل أن تجري الإنتخابات النيابية؟
للجواب عن هذا السؤال تتمة.