لعّل ما صرّح به حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قبل يومين، من معطيات نقديّة، يُعتبر مؤشرا مهما جدّاً، على الدولة الاستفادة منه إذا كان دقيقاً، لاعادة الوضع الاقتصادي والمالي إلى ما كان عليه قبل العام 2019. فقد أعلن الحاكم أنّ مساعدات الدول عبر صندوق النقد الدولي ممكن أنّ تصل بين 12 إلى 15 مليار دولار. وهذه الاموال كفيلة بأنّ يستعيد لبنان عافيته إقتصاديّاً وخصوصاً نقديّاً، وبانخفاض وتثبيت سعر صرف الدولار.
في السياق، يرى متابعون للوضع السياسي والاقتصادي أنّ لبنان لم يستفد حتّى الان من أموال مؤتمر “سيدر” التي تُقدّر بـ11 مليار دولار، ولم يُنفّذ الاصلاحات، وهذا ما يعتبره المانحون تقاعساً . توازياً، أتت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لتنفيذ الاصلاحات والتفاوض مع صندوق النقد الدولي وتطبيق خطّة إقتصادية شاملة لمعالجة المشكلات المالية والنقديّة والاجتماعيّة. وقد حالت التجاذبات السياسيّة دون إجتماع مجلس الوزراء، وفرملت عمل الحكومة.
في الاطار عينه، يذكّر المراقبون أنّ العلاقات الدبلوماسيّة مع الدول العربيّة والخليجيّة بشكل خاصّ تأثرت سلبا، بسبب مواقف فريق لبنانيّ، ما قطع هذه العلاقات، وانعكس سلبيّاً على الاستثمار والسياحة والتجارة والدورة الاقتصاديّة. ويُضيفون أنّه من دون العلاقات العربيّة، من الصعب أنّ يحصل لبنان على مساعدات بالمليارات من صندوق النقد ليستعيد عافيته. ويُتابعون أنّ الولايات المتّحدة الاميركيّة، ورغم حرصها مع فرنسا على استقرار لبنان، وعدم انهياره بالكامل، إلا أنّها لاعبٌ أساسيٌّ في صندوق النقد الدولي من جهّة، ولديها مشاكل كثيرة مع مكوّن سياسيّ وشعبي كبير في البلد المتمثل بـ”حزب الله” من جهة ثانيّة، وهو ما يمكن أنّ تستغله خلال المفاوضات مع صندوق النقد.
وتعتبر الخبيرة في الاقتصاد النقدي والمالي ليال منصور في حديثٍ لـ”لبنان24″ أنّ “كلّ ما يُقال حول الـ15 مليار دولار مجرّد كلام. فمنذ العام 2008، وُضعت خُطط على سبيل المثال لتأمين الكهرباء 24 ساعة على 24، ولم يُنفّذ أي شيء منها”. وتُذكّر أيضاً بأموال مؤتمر “سيدر” والاصلاحات، وهذا كلّه كان قبل الازمة الاقتصاديّة”. وتُضيف أنّه “مرّ على الازمة الماليّة سنتين، ولم تُطبق الاصلاحات، ولا حتّى التدقيق الجنائي و”الكابيتال كونترول”.
وتُشدد على أنّه “لا يمكن تحليل كلام حاكم مصرف لبنان من دون وجود أساسيّات، يتمّ من خلالها تحديد الخسائر وتوزيعها وتحجيم القطاع المصرفي وتصنيف الائتمان…” وتُؤكّد أنّه “عندما تنجح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، عندها، يمكننا الحديث عن الارقام والاموال المقدّمة”.
وتُشير منصور إلى أنّه “يجب البدء بإجراءات توحيد سعر الصرف مع صندوق النقد، وإقرار قانون “الكابيتال كونترول” للمستقبل على أن يكون واضحا، والاهمّ البدء بالتدقيق الجنائي، للحديث حول ما يمكن تقديمه من أموال تُوّظف في الاصلاحات والبنى التحتيّة والاستثمارات”.
ويرى مراقبون أنّ مبلغ الـ15 مليار دولار الذي أعلنه رياض سلامة من شأنه أنّ يعيد الاموال التي تمّ صرفها على سياسة الدعم الفاشلة، والتي أخفضت الاحتياطي الالزامي لدى مصرف لبنان إلى 12.5 مليار دولار. ويلفتون إلى نقطة مهمّة، وهي أنّ الدولارات ستعود من جديد إلى الرقم الذي كانت عليه قبل الازمة المالية عام 2019. ويجدر السؤال، هل يعود سعر الصرف إلى 1507 ليرات مقابل الدولار الواحد إذا نجحت المفاوضات مع صندوق النقد، ووصلت المساعدات إلى 15 مليار دولار؟
هنا، توضح منصور أنّه “يجب الفصل بين ضخّ الاموال في المصرف المركزي لدعم الليرة اللبنانية كما في السابق وتثبيت سعر الصرف أو تخفيضه، وهذا الامر مستحيل حاليّاً، وبين توظيف الاموال لاجراء الاصلاحات في القطاع الكهربائي على سبيل المثال والبُنى التحتيّة والطرقات، والنقل العام والطبابة والمستشفيات، فيبقى سعر الصرف كما هو حاليّاً أو يرتفع أكثر، والدولار لن ينخفض”. وتُضيف أنّ “الاموال إن دخلت على خزينة “المركزي”، فإنّها لن تساهم بعودة الدولار إلى 1500 ليرة، بل سينخفض سعر الصرف بشكل بسيط”. وتُؤكّد أنّ “سعر الصرف لا يرجع إلى الوراء”.
وتلفت منصور إلى أنّ “أي أموال ستأتي للبنان يجب توظيفها في البُنى التحتيّة، ولو كنّا نملك هذه البُنى، لم تكن الازمة قد أثّرت علينا على هذا النحو الكبير. فالبُنى التحتيّة من شأنها أنّ تُخفض الكلفة في الاستثمار والتوظيف. والموظف الذي يعمل مرّة في الاسبوع حالياً، سنجده يتوجّه إلى عمله يوميا إنّ تأمنت هذه البُنى، إذ أنّ تكلفة المعيشة تُصبح أرخص، حتّى وإذا لم تكن جيّدة إلى نوع ما”. وتُتابع: “في فرنسا الاجور ليست مرتفعة لكنّها تكفي الموظفين، لانّ البُنى التحتيّة كلّها مؤمّنة، من النقل العام إلى الطبابة”.
وتسأل منصور: على أي أساس ستُقدّم الدول الشقيقة هذه المساعدات الماليّة، ونحن على عداءٍ معها، من خلال علاقاتنا الدبلوماسيّة غير السليمة معها؟”. وتُشير إلى أنّ “على الدولة أنّ تتنازل وتبدأ بالاصلاحات واتّخاذ القرارات لتقول للدول إنّها مستعدّة للاصلاح وتغيير الواقع الاقتصادي”.
ويبقى الاهمّ بحسب مراقبين أن يعود مجلس الوزراء إلى الانعقاد، واستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي حتّى النهاية والبدء بالاصلاحات، لتعود المساعدات التي وحدها ستُنقذ لبنان من الازمات، إذا وُظّفت بالشكل الصحيح.