تتعاظم الهواجس من تكرار سيناريو الكارثة الصحيّة التي ضربت لبنان العام الماضي خلال موسم الأعياد، حيث ارتفع عدّاد الإصابات بفيروس كورونا فور انتهاء حفلات عيدي الميلاد ورأس السنة، وتجاوز عتبة الـ 6000 الآف إصابة في اليوم الواحد. اليوم الوضع أصعب مقارنة بالعام الماضي، إذ تضاءلت قدرة المستشفيات على مواجهة مرحلة جديدة من تفشي الوباء، بفعل الأزمة الماليّة وفقدان الأدوية والنقص الكبير في تأمين المستلزمات الطبية من جهة، ووصول متحوّر أوميكرون إلى لبنان من جهة ثانية، نظرًا لسرعة انتشاره التي تقدّر بحوالى خمس الى ست مرات زيادة عن قوّة انتشار متحور دلتا.
رئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور عاصم عراجي يحذّر في اتصال مع “لبنان 24” من التراخي الكبير في الإدارات والمؤسسات وبين المواطنين لناحية الإلتزام بالإجراءات الوقائية، ويرى أنّ البلد ينزلق إلى وضع كارثي فيما لو بقيت الأمور على الوتيرة نفسها من اللامبالاة. التحذير نفسه ورد على لسان نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون الذي لفت إلى أنّ “معدّل إنتشار كورونا في لبنان سيئ، وبات يوجد طلب على الإستشفاء أكثر من عدد الأسرة المتوفّرة، وإذا بقي عدد الإصابات على هذه الوتيرة فسوف نصل إلى وقت سيموت فيه المواطنون في بيوتهم”.
نقص في عدد الأسرة لمرضى كورونا
وفق بيانات وزارة الصحة، أعداد الإصابات بوباء كورونا في ارتفاع متواصل، وتسجّل يوميًّا حوالي 2000 إصابة فضلًا عن الوفيات، في حين أنّ العدد اليومي كان قد انخفض إلى أقل من 50 إصابة يوميًّا خلال حزيران الماضي. الخطورة لا تكمن فقط بالموجة الجديدة من تفشي كورونا، بل بالنظام الصحي المترنّح بسبب ضعف التجهيزات، وهجرة أعداد كبيرة من العاملين في القطاع الطبي وفق عراجي “زيادة الإصابات تتطلب إدخال مرضى إلى أقسام العناية الفائقة المخصّصة لكورونا، وهناك نقص كبير في هذه الغرف، عدد الأسرّة حاليًا لا يتعدّى الـ 40% مقارنة بالعدد الذي كان متوافرًا في الشهرين الأولين من العام الحالي أو في شهر 12 من العام الماضي، لدينا 916 سريرًا مقابل 2500 سرير في الفترات السابقة من العام الماضي”.
80% من مرضى كورونا في المستشفيات لغير الملقّحين
يلفت عراجي إلى أنّ الدول المتقدمة كالولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا، تتخذ إجراءات مع نهاية العام الحالي لمواجهة خطر حدوث موجة وبائيّة خامسة جرّاء تفشي أوميكرون، علمًا أنّ نظامها الصحي بكامل جهوزيته، فكيف الحال ببلد كلبنان يعاني أزمة ماليّة حرجة انعكست على القطاع الإستشفائي، الذي بات عاجزًا عن مواجهة أي موجة جديدة من كورونا. وأشار عرجي إلى أنّ التوصيات العالمية تشدد على الإلتزام بالتباعد الإجتماعي وارتداء الكمامة حتّى داخل المنازل، نظرًا لسرعة انتشار المتحور أوميكرون “في الولايات المتحدة الأميركية 73% من الإصابات هي من المتحور أوميكرون، في بفرنسا إصابة من ثلاث إصابات من المتحور نفسه”.
بنظر عراجي اللقاح بات اليوم ضرورة أكثر من أي وقت مضى . وعن فعاليته وأهميته لحماية المواطنين، لفت إلى أنّ 80% من مرضى كورونا في المستشفيات الذين احتاجوا إلى عناية مركّزة هم من غير الملقّحين، في حين أنّ الـ 20 % الذين أصيبوا بكورونا من الملقّحين لم يحتاجوا إلى عناية مركّزة. كما أنّ نسبة الوفيات بين فئة غير الملقّحين أكثر بكثير، وهذا يثبت أنّ اللقاح فعّال.
وعن عدم حماية اللقاحات من المتحور الجديد قال عراجي “حتّى لو تدنت نسبة الحصانة من اللقاح حيال المتحورات الجديدة، تبقى كل من الجرعتين الأولى والثانية قادرة على التخفيف من معدل الإصابات الخطرة، أمّا الجرعة الثالثة فهي ضرورية لتحفيز المناعة الموجودة، وها ما أكّدته كل الدراسات الصادرة عن مراكز الأبحاث والوكالات العالمية. في ألمانيا وبريطانيا بدأوا بإعطاء جرعة إضافية بعد مرور ثلاثة أشهر على آخر جرعة”.
في لبنان بلغت نسبة الذين تلقّوا الجرعة الأولى من اللقاحات المضادة لكورونا 42.2%، و 35% الجرعة الثانية، و 13.7% نسبة الذين تلقوا الجرعة الثالثة، وهذه النسب غير كافية وفق عراجي لإحداث مناعة مجتمعية، بل يجب أن يصل عدد الملقحين إلى 80% “نناشد المواطنين الإقبال على تناول اللقاح لتطويق المتحور الجديد، واتخاذ الإجراءات الوقائية لتفادي تجرع الكأس المر”.
اللقاح سلاح البشرية الوحيد في مواجهة كورونا الذي يتمدد ويطوّر نفسه منذ ظهوره قبل حوالى سنتين ويحصد المزيد من الأرواح. في لبنان لا زالت الغالبية العظمى من الشعب غير مقتنعة بجدوى اللقاح رغم ما تشاهده من ويلات صحيّة، هذه الفئة مصرّة على أنّها تفقه في كل شيء، فتراها ترسم علامات استفهام حيال اللقاحات وتتماهى مع نظرية المؤامرة، حيالها قال البروفسور جاك مخباط لـ “لبنان 24” في حديث سابق “كيف تحوّل اللبنانيون جميعهم إلى فلاسفة في علم الفيروسات حتّى ظنوا أنّهم يتفوقون على الدراسات والأبحاث ليحكموا على جدوى اللقاحات ؟”.