يتنقل بين دار المطرانية في شارع “المطران” في طرابلس وبين كنيسة “مار مارون” مرورا بشارع “عزمي” ووصولا الى كنيسة “مار ميخائيل” في الزاهرية، معرجا على الأسواق الشعبية وعلى مختلف المقامات الدينية في المدينة، ليجد نفسه محاطا بناس غاب بريق الفرح عن عيونهم وفقدت وجوهم ابتسامة الأعياد.
يحزنه مشهد الركود والصمت الذي يخيّم على عاصمة الشمال في زمن الأعياد ، ويؤلمه مشهد الهجرة الذي يطال كل أبناء الوطن، لكنه لا يتردد بالدعاء لهم بالتوفيق طالبا منهم وعلى الرغم من هجرتهم القسرية الا يهجروا بلدهم، والا يحملوا مشاعر الغضب تجاه ارض لا ذنب لها بما حلّ بهم، مؤكدا انه من واجبهم حتى ولو أصبحوا في آخر الدنيا ان يدركوا ان لهم أرضا ومنزلا واهلا في لبنان وأن هجرتهم ما هي الا استكمال لصمود لبنان الرسالة والريادة”.
لكنه ، وعلى الرغم من الألم، يتطلع الى أيام أفضل ويدرك ان المركب سيحط من جديد في بر الأمان، فالتنوع اللبناني حاجة للشرق وللعرب ولأوروبا ولمختلف دول وقارات هذا العالم، وهذا ما تؤكده دائما روما التي أحبت بلدنا حبا لا مثيل له، فهي أفردت لأجلة سينودسا خاصا، والبابا فرنسيس لا يفوّت فرصة الا ويؤكد دعم لبنان ووقوف الفاتيكان الى جانبه بشتى الوسائل.واجبنا ان نعيد الفرح الى الناس
في هذا الاطار وفي ليلة الميلاد يتحدث رئيس أساقفة أبرشية طرابلس المارونية المطران يوسف سويف لـ”لبنان 24″ فيقول ” على الرغم من كوننا في زمن الميلاد الذي يشكل محطة تاريخية ولاهوتية مفصلية في حياة البشرية، اذ انه عبر الميلاد حرر الله الانسان من عبوديته للموت والخطيئة، وعلى الرغم من حق الانسان ان يعيش الميلاد بفرح، تأتي أوضاع البلاد لتدفع نحو الحزن واليأس، فلبنان يمر بأزمة غير مسبوقة، لذلك نجد انفسنا ملزمين ان نغطي ما استطعنا من عجز الدولة وعدم قدرتها على تأمين الكرامة لمواطنيها.
فواجب المؤسسة الكنسية والاجتماعية ان يعيدا الفرح الى الناس، من هنا نعمل عبر مجموعة مبادرات في رعايانا ومؤسساتنا وعبر التعاضد والتكافل مع مختلف مؤسسة المجتمع وبدعم ملحوظ من اللبنانيين في الانتشار الذين، لولا عطاءهم لكانت زادت حدة صعوبة المرحلة الحالية بوتيرة سريعة جدا ولكنا غرقنا جميعا في فوضى الانهيار الكبير”.طرابلس فقدت مقومات الحياةويضيف سويف ” نحاول خلق اجواء مؤاتية لزمن الأعياد في مختلف البلدات والقرى وفي مدينتنا طرابلس التي أمست تفتقد أدنى مقومات الحياة.فالمواطن أصبح عاجزا عن العيش في هذه المدينة ، من هنا لا بد من تذكير القيميين بان المدينة فيها مصادر للحياة قد تكون كافية ليس فقط لتنشيط اقتصادها انما لدفع اقتصاد الشمال ولبنان عامة الى الامام، ففيها مرفأ ومطار ومعرض دولي ومواطنات ومواطنون شجعان يحبون بلدهم وأرضهم.والمسيحي جزء من هذه المدينة وضرورة لوجودها وحجر أساس في قرارها، وهنا اشير الى ان ابناءنا الروحيين يعودون مرارا الى كنائسهم في طرابلس معبرين عن التزامهم الكنسي والوطني وحبهم اللامتناهي لعاصمة لا تحتاج الا للارادة والعمل”.ويرى سويف ان “المؤسسة الروحية في المدينة ليست مكتوفة الأيدي، انما العمل مستمر مع سماحة مفتي طرابلس الشيخ محمد امام ومختلف المرجعيات الروحية عبر اجتماعات تنسيقية انبثقت عنها مؤخرا لجنة تحمل اسم (لجنة الطلب) والتي سأتولى مهاهما التنسيقية الى جانب صاحب السماحة والمطارنة الاجلاء، ومن خلالها سنلجأ الى الأصدقاء والدول العربية وغير العربية والمنظمات غير الحكومية طالبين منهم الوقوف الى جانب طرابلس.واللجنة تبدأ أعمالها الفعلية مع مطلع العام 2022 ،لكن وعلى الرغم من ما يمكن ان تقدمه هذه اللجنة لا بد من التاكيد ان لاشيء يعوض عن حضور الدولة بمختلف مؤسساتها ، فان غابت الدولة غاب الانتظام العام لذلك ندعو اهل الحكم لادراك هذه الحقيقة والعمل وفقها.التحقيق بانفجار المرفأ موضوع عضوي مرتبط بهويتنا وثقافتناوعن الواقع الحالي والأزمة المتفلتة يقول سويف “علينا التحلي بالصبر فمن ( يصبر الى المنتهى يخلص)ولا يمكن لأي طرف خارجي ان يدفع ببلدنا الى ميناء الخلاص ان لم تتوفر الارادة الداخلية.فالخلاص هو مسؤولية مشتركة يجب ان يتحملها مختلف المواطنات والمواطنين، وهنا لا بد من دعوة الجميع الى التحلي بحس النقد والقدرة على التمييز في الاستحقاق الانتخابي المقبل الذي نتمنى ان يحصل في مواعيده الدستورية، لان عدم حصوله مؤشر واضح لانتهاء الحياة الديمقراطية والسياسية في لبنان.وهذا الاستحقاق يضع المواطن الموجوع والمتألم امام مسؤولية حسن الخيار وأمام مسؤولية الاقتراع وفقا لما يمليه عليه ضميره وقناعاته، فالمتألم هو وحده من يمكن ان يضع حدا لآلامة وأوجاعه، والدعوة للجميع الى عدم الانغلاق والتقوقع واللامبلاة والى أخذ المبادرة والاتجاه نحو صناديق الاقتراع التي ستحدد مصيرنا جميعا.”ويؤكد سويف انه” من ضمن العنوانين الوطنية الكبيرة، لا يمكن اعتبار ملف انفجار المرفأ تفصيلا، اذ في وسط هذا المرفأ أحباء استشهدوا وجرحوا وفقدوا منازلهم وسقوفهم ورزقهم، ولا يمكن التعاطي مع ثالث أكبر انفجار بالعالم بطريقة غير واضحة، فمن أبسط الأمور ان نستطيع الحصول على تحقيق شفاف وموضوعي يقدم لنا الحقيقة حول ما حصل في الرابع من آب.مسألة انفجار المرفأ ليست بالمسألة العابرة انما عضوية وأساسية ومرتبطة بالثقافة والانسان والهوية، وغياب التحقيق عن هذه المسألة سيدخلنا حتما بثقافة غريبة عن عاداتنا وتقاليدنا.وفي ختام اللقاء توجه سويف الى المواطنين داعيا اياهم ان “يرددوا مع الملائكة (المجد لله في العلى وعلى الارض السلام)، فمع الميلاد تحقق السلام الذي نرجو تعزيزه، ومهما كان الحائط مسدودا في وجوهنا لا بد لنا من التمسك بالرجاء ونعمل بصبر للوصول الى ميناء الأمان”.وللمسؤولين قال سويف: ” واجبكم اليوم انقاذ البلاد والعباد وذلك لا يتم الا بروح الوحدة وعبر رجالات دولة يدركون كيفية الترفع عن الصغائر والبحث عن مخارج تخفف من الام واوجاع الناس، لذلك لا بد لكم من العمل لخير الجماعة وللخير العام ولخير الانسان ولا بد لكم من التخلي عن العمل للخير الخاص والضيق فهو السبب الأساسي والأكيد لما آلت اليه اوضاعنا”.