وجه راعي أبرشية أوستراليا المارونية المطران أنطوان شربل طربيه رسالة إلى أبناء الكنيسة المارونية لمناسبة عيد الميلاد بعنوان “ليبقى المسيح في عيد الميلاد”، قال فيها: “سر الفرح في عيد الميلاد ينبع من مغارة بيت لحم حيث تحقق وعد الله، وحلم الشعوب، وانتظار الأمم بولادة المسيح المخلص، والذي عبر عنه أشعيا النبي حين قال: العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل، أي الله معنا. فمحبة الله التي ظهرت في عملية خلق الإنسان والكون، تجسدت وأصبحت إنسانا في ملء الزمن، بيسوع المسيح المولود طفلا صغيرا من مريم البتول”.
أضاف: “أمام هذه الحقيقة التي لا تقبل الجدل وحملت الى البشرية الخلاص والفرح والرجاء، يتردد أحيانا على أسماعنا هذا التعبير القائل: يجب أن يبقى يسوع المسيح محور العيد في الميلاد، لأنه صاحب العيد. وهنا نتوقف ونسأل: هل ما زال الرب يسوع المسيح محط أنظارنا وغاية اهتمامنا في العيد؟ هل الاستعدادات للعيد تظهر معانيه الأساسية والرمزية، فيكتمل فرحنا بلقاء الرب وننطلق لنسبحه مع الملائكة: المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام لأبناء الرضى؟”
وتابع: “من العادات الجميلة التي ترافق الاستعداد للعيد والتعبير عنه، إقامة مغارة الميلاد ووضع شجرة العيد في البيوت والكنائس والأديار، وبالتالي تبادل الهدايا، وتزيين الأسواق والشوارع، ولكن هل هذا يكفي؟ ونجد بالتالي أن الكثيرين يشاركون في القداس يوم العيد، وهذا أمر ضروري ومهم لهم ولعيالهم، ولكن هل خبرة الميلاد تتوقف هنا؟ ليبقى يسوع المسيح في قلب عيد الميلاد، لا بد قبل كل شيء أن نعود إلى ما جرى ليلة الميلاد في بيت لحم، فنتوقف عند تواضع المذود، وصمت القديس يوسف، ودهشة الرعاة، وترنيم الملائكة، وفرح المجوس، وتأمل العذراء بوجه الطفل الإلهي، لنتعلم أمورا كثيرة لحياتنا اليومية، وبالتالي طرق الاحتفال بالعيد. فالميلاد ليس فقط حدثا محصورا في يوم من الأيام، أو قصة جميلة من الماضي نخبرها لصغارنا، بل هو حقيقة عظيمة غيرت تاريخ الإنسان والبشرية، وأصبحت جزءا جوهريا من حياتنا اليومية. إنه سر حضور الرب الدائم بيننا ومعنا، وبقدر انفتاحنا عليه وقبوله في قلوبنا وعقولنا، نختبر التغيير الفعلي والحقيقي في حياتنا ومسيرتنا وعالمنا. وإذا كان العالم يحاول أن يبعدنا عن الله، والإيمان به، وإذا كان يحاول تغييب وجه الرب يسوع وحضوره واسمه عن العيد، فمن أولى مسؤولياتنا المسيحية والايمانية والرسولية أنْ نتنبه الى ما يجري فيمجتمعنا، لنؤكد ونصر على أن الرب يسوع المسيح هو مصدر وغاية الاحتفالات الميلادية. فكلمة الله الصائر بشرا، يريد تتميم مشيئة ألله الآب، التي هي بحسب قوله: ألا أفقد أحدا من الذين أعطاني إياهم، بل أن أقيمهم في اليوم الأخير”.
وقال: “ليبقى يسوع المسيح في صلب احتفالنا بعيد الميلاد، ليس علينا أن نبحث كثيرا عما يجب أن نفعله، فقد علمنا هو نفسه ما يجب القيام به. فهو ليس ببعيد عنا إنما حاضر معنا وفي مجتمعنا وينتظرنا لنطعمه كإنسان جائع، ونسقيه في كل عطشان، ونكسوه في كل عريان، ونستقبله في كل مهاجر وغريب، ونواسيه في كل مريض ونزوره في كل سجين، وألا نتردد في محبة الأعداء ومسامحتهم كما أوصانا”.
وشدد على أن “لا عيد ميلاد من دون الرب يسوع، ولا فرح حقيقي إلا إذا كان الرب حاضرا في بيوتنا وحياتنا، وفي كل مرة نقوم بإيصال محبة الله للآخرين من خلال أعمالنا ومثلنا الصالح نكون فعلا في الميلاد”. وقال: “مع اقتراب نهاية سنة 2021 ما زال عالمنا يعاني بسبب جائحة كورونا وأخبار النزاعات والعنف والفساد، لذلك هو يحتاج اليوم أكثر منه في ما مضى إلى وجود عمانوئيل، الله معنا، كلمة الله المتجسد، ليبعث من جديد في قلوبنا وعالمنا الرجاء والفرح والخلاص”.
وختم: “كما بادر الله وأرسل لنا ابنه الوحيد لخلاصنا، علينا نحن أيضا أن نبادر لمساعدة المحتاجين والمعوزين لتكتمل فرحة العيد، لذلك أدعو وأشجع كل عائلة قادرة في هذا العيد أن تزرع فرحة العيد في قلب عائلة منسية ومحتاجة، ألا تتردد في المساهمة بسخاء، وبخاصة في وطننا الأم لبنان. ويبقى الميلاد مناسبة للتأمل والعيش للبشرية جمعاء، من دون تمييز بين مسيحيين وغير مسيحيين، لأن الكل مدعو للشراكة بمحبة يسوع المسيح، الذي تجسد من أجل كل إنسان، في كل زمان وكل مكان. ولد المسيح هللويا”.