كتب نقولا ناصيف في” الاخبار”: تعد المعضلة في قانون الانتخاب، بل في النزاع على الأرقام المفترضة في احتساب نصاب الأكثرية المطلقة في مجلس النواب: 59 نائباً (باستقالة أو وفاة 12 نائباً) أم 65 نائباً من مجموع الأعضاء الذين يؤلفون المجلس قانوناً؟ معضلة ستستمر طوال السنة الأخيرة من ولاية رئيس الجمهورية إذا التأم البرلمان في عقد استثنائي- المستبعد إلى الآن – أو في العقد العادي الأول والأخير في ولايته الحالية.
لأن المجلس الدستوري تنصّل من اتخاذ قرار في مراجعة الطعن في قانون الانتخاب، فإن جولة أولى من متاهات جدل دستوري جديد، وربما طويل، باتت حتمية:أول أسبابها، أن نفاذ قانون الانتخاب وذهاب الأفرقاء جميعاً إلى الانتخابات النيابية، يشير إلى التسليم بالنصاب القانوني المصوَّت به على هذا القانون من جهة، وإلى اعتقاد الأفرقاء القائلين بنصاب 59 صوتاً أنه أضحى واقعياً معمولاً به وغير مشوب بأي عيب من جهة أخرى. كان رئيس الجمهورية رفض توقيعه كي لا يعترف بهذا النصاب قبل أن يطعن به التيار الوطني الحرّ. كلاهما خسر الرهان من دون أن يلقيا بعد السلاح.ثانيها، مع أن المجلس الدستوري بعدم إصداره قراره جنّب نفسه الخوض في نصاب الأكثرية المطلقة الحالية، بيد أنه لم يحلّ الخلاف الدستوري عليه، ولم يحسمه حتماً، بل أدخله في سجال إضافي. لم يقل رأيه فيه، ولم يفسّر نصاب الأكثرية المطلقة الحالية. ولأنه لم يرد المراجعة ولم يتخذ قراراً فيها، فإن النزاع على التفسير المزدوج لنصاب الأكثرية سيستمر خارج جدران المجلس الدستوري، وسيعود إلى داخل جدران مجلس النواب، من غير أن يتيح له أن يفسَّر ما هو في صلب صلاحياته الدستورية. في كل جلسة مقبلة يعقدها البرلمان، سيجد نفسه في خضم المشكلة ذاتها، وانقسام الكتل حيال الغالبية المصوِّتة.ثالثها، لأن المجلس الدستوري المفترض أنه مؤسسة الاحتكام إلى الصواب الدستوري لم يُرِد أن يقول – خلافاً للصلاحية المنوطة به – كلمته في قانون مطعون فيه، أضحى التفسير المزدوج للنصاب القانوني للغالبية المطلقة جزءاً لا يتجزأ من الاشتباك السياسي اليومي. يمنح ذلك رئيس الجمهورية حق استخدامه مجدداً المادة 57 من الدستور في كل مرة يُحال إليه قانون صادق عليه مجلس النواب، خلافاً لوجهة نظره التي باتت تفسّر – على طرف نقيض من تفسير برّي – نصاب الانعقاد والتصويت. يضع ذلك مجلس النواب بين فكي تفسيرين، دونما أن يكون ثمة مَن يُحتكم إليه موثوق به في التفسير.رابعها، مع أن المجلس الدستوري في عدم اتخاذه قراره في 21 كانون الأول بدا كأنه أنجد نفسه من الوقوع في مشكلة، بيد أنه فقد تماماً دوره.
الأسوأ في ما فعله هؤلاء، أنهم باتوا صانعي أعراف مؤسستهم. عام 2013 أوجدوا العرف الأول القاضي بعدم صدور قرار من جراء تعطيل نصاب انعقاد المجلس ومذاكرته القرار. أخيراً أوجدوا العرف الثاني بعدم توافر نصاب الأكثرية الملزمة لإصدار القرار وإن في ظل نصاب مكتمل.ما رامَ يعنيه كلا العرفين أن عدم صدور قرار سيمسي في تقاليد المجلس الدستوري مستقبلاً، يدرج عليها من الآن فصاعداً. إذا اختلف فريقان أو ثلاثة من المعيِّنين لأعضاء المجلس الدستوري أمسكوا بعنقه.