مع نهاية كل سنة، وبداية أخرى، تكثر الأمنيات وتزدحم الأفكار ويتمنّى اللبنانيون أن تحمل السنة الآتية بشائر أمل، وأن تُطوى السنة غير المأسوف عليها من دون رجعة، وأن تبقى مجرد ذكرى. وفي كل مرّة، وسنة بعد سنة، تتكرّر الأسطوانة نفسها. وتكون السنة المنتظرة اسوأ من سابقاتها، وكأننا أمام منظر déjà vu.
ففي لاوعي اللبنانيين الجماعي أن الأيام تتشابه، وقد يكون الآتي من الأيام اسوأ مما مضى وطواه النسيان، وذلك نظرًا إلى التجارب المريرة التي مرّت على اللبنانيين، والتي تجعلهم ميالين إلى التشاؤم أكثر من ميلهم إلى التفاؤل، خصوصًا أن السنة الفائتة حملت لهم كل ما في الدنيا من كوارث تبدأ بتفاعل جائحة كورونا من خلال متحورها “أوميكرون”، الذي يتطّور وينتشر في شكل مرعب، إضافة إلى ما خلّفه الخلاف السياسي على خلفية التحقيق في إنفجار المرفأ من أزمات سياسية، كان من نتائجها شلّ عمل مجلس الوزراء، وما تركه هذا الأمر من تداعيات سياسية خطيرة، مع إستمرار الأزمات الإقتصادية والمالية والإجتماعية وحتى الأمنية، وترك البلاد من دون حكومة تحكم فيما غالبيةالمسؤولين لا يزالون يتصرّفون وكأن لا أزمات في البلاد، وكأن لا إنهيار في البلد.ولأنّهم لم يعودوا يصدّقون الوعود، وهي كانت كثيرة في السنة الماضية وما قبلها وما قبل قبلها نرى اللبنانيين يلجأون إلى العرافين والعرّافات والضاربين في الرمال والملهمين لمعرفة ما يخبىء لهم المستقبل من مفاجآت وأحداث وتطورات، وهم ينساقون لا إراديًا لتصديق ما لا يُصدّق، وهم يعرفون أن المنجمين يكذّبون وإن صدقوا أحيانًا، وذلك لكثرة ما تعرّضوا له من خيبات أمل نتيجة ما يلمسونه يوميًا من إنعكاسات سلبية على المستويات السياسية والإقتصادية والمالية، خصوصًا أن لا بوادر لإمكانية الخروج من نفق الأزمات المتراكمة والمتفاقمة، على رغم ما يُحكى عن تسويات لأزمة فك اسر الحكومة، التي لم يتبقّ لها الكثير من الوقت لتنجز ما يُفترض إنجازه قبل أن ندخل في المواسم الإنتخابية، حيث لا يعود لأحد همّ سوى الهمّ الإنتخابي، وإن كنا نعتقد أن القديم سيبقى على قدمه مع إدخال بعض “الروتشة” على بعض الأسماء”.
وإن كانت التجارب السابقة مع البرلمانات المتعاقبة غير سارّة ولم تحمل إلى اللبنانيين المن والسلوى فإننا لا نزال متفائلين بإحداث بعض التغيير، ولو جزئي، كمقدمة لتغيير أكبر. ومَن يعش يرَ. فمع بداية السنة الجديدة تبقى الأمنيات مجرد أمنيات، وكأنه كُتب على اللبناني أن يفتّش عن فرص ضائعة في المتاهات السياسية وفي زواريب لا تزال مظلمة لا يعرف أحد من وما يختبىء في العتمات وما يُحضّر من أحاجي لا تجد من يفك طلاسمها وألغازها، مع ما فيها من غموض وإلتباسات مستعصية على الفهم والتحليل والإستنتاج.فالحل لأزمة الأزمات يبقى بعيدًا عن متناول اليد، على رغم بعض المساعي التي يقوم بها رئيس الحكومة لتقديم ما يمكن أن يطمئن وما يبعد القلق على المصير وما يفتح من نوافذ أمل تدخل منها اشعة المبادرات الجريئة وتقدّم الدواء للداء المستعصي.وعلى رغم كل هذا الضباب لا يسعنا إلاّ أن نتمنى لوطننا المعذّب ولجميع اللبنانيين، أن تحمل سنة 2022 ما يخفّف عن كواهلنا بعضًا من مسلسل طويل من العذاب، لأننا نؤمن بأنه بعد الظلمة سيشرق نور الحق والحقيقة. وعلى هذا الأمل نطوي سنة ونستقبل أخرى علّ وعسى.
المصدر:
خاص لبنان 24