وطن الـ 10452 كلم مربع الذي يقبع بظل أسوأ أزمة اقتصادية، على موعد مع ثلاثة استحقاقات مصيرية في العام الجديد، من شأن نتائجها أن تقلب المعادلات السياسيّة والإقتصادية في لبنان، وتؤسّس لمرحلة جديدة في تاريخ البلاد.
في الترتيب الزمني، يتمثّل الإستحقاق الأول في الموعد الذي حدّدته الإدارة الأميركية لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في آذار المقبل، في حال نجح الوسيط الأميركي اموس هوكشتاين في التوصل إلى حلّ وسط في الفترة الفاصلة عن السقف الزمني الذي وضعه لمهمّته بنهاية آذار. هذا التاريخ يرتبط باستحقاقين بالنسبة للجانبين اللبناني والإسرائيلي على حدّ سواء، ففي لبنان يسبق الإنتخابات النيابية المقررة في أيار المقبل، وبالنسبة لإسرائيل هو استحقاق على جانب كبير من الأهميّة، بحيث يفترض أن ترسل الشركة الأميركية “أنرجين” سفينةً FPSO للإنتاج إلى حقل “كاريش” في شهر آذار، بالتالي عدم إجراء الترسيم قبل وصول السفينة سيجعلها تعدّل في مواعيدها، خصوصًا أنّ حقل كاريش منطقة متنازع عليها، والشركات العالمية تتجنّب العمل في مناطق نزاع.
إنجاز الترسيم في زمن الإنهيار المالي يمثّل نقطة تحول للإقتصاد اللبناني وفق الخبير النفطي ربيع ياغي، كونه يُدخل لبنان رسميًّا نادي الدول النفطية، خصوصًا أنّ المسح الزلزالي الثلاثي الأبعاد الذي جرى عام 2012، يُنذر بوجود كميات ضخمة من الغاز الطبيعي في المياه الإقتصادية الخالصة تقدّر بمليارات الدولارات، كما أنّ الدراسات والمسوحات الجيولوجية أظهرت أنّ حقول الغاز الجنوبية هي الأهم والأكثر احتواء لكميات الغاز التي يمكن الاستفادة منها تجاريًّا.
ياغي يعيد التذكير بما أعلنته شركة “سبيكتروم جيو” البريطانية عن أنّ في لبنان إحتياطات من النفط الأسود والغاز بقيمة 140 مليار دولار اميركي، وأنّها عثرت على ما يجعل لبنان أحد أكبر منتجي الغاز في الشرق المتوسط، بإكتشافها 25 تريليون قدم مكعبة تحت المياه الاقليمية للساحل الجنوبي، مساحتها 3000 كيلومتر مربع”.
الإستحقاق الثاني يتمثّل بإجراء الإنتخابات النيابية في منتصف أيار المقبل. هذه المحطّة التشريعية تكتسب أهمية استثنائيّة كونها تنتج مجلسًا نيابيًا ينتخب رئيسًا للجمهورية من جهة، وتعيد تكوين الأكثرية النيابية من جهة ثانية. كما أنّها تحصل بعد مشهدية 17 تشرين الأول عام 2019، وفي ظل نقمة شعبية على الطبقة السياسية، جرّاء الأزمة الماليّة التي حلّت بالبلاد والعباد، وأحالت أكثر من ثلاثة أرباع السكان فقراء، وفق دراسة أنجزتها لجنة الأمم المتحدة الإقتصادية والإجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) في أيلول عام 2021، تحت عنوان “الفقر المتعدد الأبعاد في لبنان: واقع أليم وآفاق مبهَمة”. وعلى رغم صدور مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لانتخاب أعضاء مجلس النواب في ١٥ أيار للمقيمين وفي ١٢ أيار للموظفين المشاركين بالعملية الانتخابية وفي ٦ و٨ أيار لغير المقيمين على الأراضي اللبنانية، وتوقيعه من قبل رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الداخلية، لا زالت هناك هواجس عند البعض من لجوء المتضررين من حصول الإنتخابات إلى تفجير الأوضاع الأمنية بقصد تطييرالإنتخابات.
الإستحقاق الثالث هو نهاية ولاية الرئيس ميشال عون في 31 تشرين الأوّل المقبل، وما حفلت به من كوارث، أطلق عليها بنفسه تسمية جهنّم. هذا الإستحقاق ليس عاديًا بدوره، بظل معركة رئاسيّة انطلقت باكرًا جدًا وقبل بدء ولايته لتأمين تكريس صهره جبران باسيل خلفًا له في بعبدا، وفق توصيف مصادر مراقبة. وعلى رغم تأكيد عون أنّه لن يبقى في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته “لكن إذا قرّر مجلس النوّاب بقائي فسأبقى” لا زال العديد من المراقبين يشكّكون بمغادرته. في السياق كشفت معلومات نقلًا عن مصدر دبلوماسي، أنّ مرجعيات لبنانية عدّة تبلّغت أنّ المجتمع الدولي لن يسمح مطلقًا بتأجيل الإنتخابات الرئاسية، حتّى ولو تأجلّت الإنتخابات النيابية للربيع المقبل ستبقى الإنتخابات الرئاسيّة قائمة في موعدها.
هذه الإستحقاقات الثلاثة ستجعل من العام 2022 عامًا مفصليّا في لبنان، إمّا لتكريس الأزمة الماليّة والسيّاسية القائمة، إمّا لبدء مسار التعافي الإقتصادي. وبأيّ حال لمشهدية محادثات فيينا الدور الأبرز في كلّ تلك المحطات اللبنانيّة.