قد يتفهّم الذين إستمعوا إلى خطاب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله تركيز هجومه الصاعق على الولايات المتحدّة الأميركية وإتهامها بأنها هي التي تقف وراء كل “الشرور” التي تحلّ في العالم، ولا سيما في الإقليم.
ولكن ما لم نتفهّمه هو أن يُدرج في مضبطة إتهاماته المملكة العربية السعودية في هذا الوقت بالذات، خصوصًا أن لا موجب لهذا الهجوم الساحق والماحق.
فلا شيء تبدّل في جديد حرب اليمن مثلًا، وبالتالي لم تجانب الرياض التطرّق إلى موضوع علاقاتها مع طهران، بالتزامن مع محادثات فيينا، وما يمكن أن ينتج عنها.
بل ما يحصل هو العكس، إذ أن الأراضي السعودية هي التي تتعرّض لهجمات جوّية، عبر المسيرّات، من جانب الحوثيين.
فما الذي إستجدّ في أجندّة “حزب الله” ليكون الموضوع السعودي من ثاني أولويات خطاب نصرالله بعد الأولوية الأولى، التي خصصّها لواشنطن وسياساتها “التخريبية” في المنطقة”؟
يقول بعض العارفين أن هناك سببين لا ثالث لهما لهذا الهجوم المفاجىء على السعودية، في الوقت الذي لا يزال لبنان الرسمي يلملم ذيول ما تركه تصريح الوزير السابق جورج قرداحي من توتر في العلاقات اللبنانية – السعودية أولًا، وعلاقات لبنان بدول الخليج العربي ثانيًا.
السبب الأول يعود إلى شعور لدى “حزب الله” بأن لبنان الرسمي، متضامنًا ومتكاتفًا، أي على مستوى المؤسسات الرسمية، بدءًا من الرئاسات الثلاث، وصولًا إلى وزارة الخارجية، يتجّه إلى إعادة علاقاته مع السعودية ومع دول الخليج إلى سابق عهدها وإلى صفائها ونقاوتها، وذلك إنطلاقًا من مصلحة لبنان العليا، والتي يجب أن تتقدّم على ما عداها من أي مصلحة أخرى.
وهذا الأمر، وفق هؤلاء العارفين، لا يتناسب مع سياسة “حزب الله” في الإقليم وفي لبنان، من دون الغوص كثيرًا في التحليل والذهاب بالقول إن كلام نصرالله ضد السعودية موحىً به إيرانيًا، في محاولة من طهران للضغط على الرياض، وذلك بهدف الحصول على تنازلات إضافية لجهة إطلاق يدها أكثر في الإقليم وعدم تقييد حركتها السياسية، خصوصًا في العراق واليمن وسوريا ولبنان، إضافة إلى تحسين شروطها التفاوضية.
أمّا السبب الثاني فيعود في الأساس إلى معلومات ترد إلى “حارة حريك”، ومفادها أن المملكة تريد أن يكون حضورها فاعلا في مرحلة الإنتخابات النيابية المقبلة، على رغم تكرار تأكيد أكثر من مسؤول سعودي أن الإنتخابات النيابية في لبنان شأن داخلي لا علاقة للسعودية به، لا من قريب ولا من بعيد، مع إبداء حرصها على أن تكون هذه الإنتخابات شفافة، والإفساح في المجال أمام اللبنانيين للتعبير عن خياراتهم بحرية مطلقة من دون أي قيود أو شروط أو هيمنة لهذا الطرف أو ذاك.
ولكن مصدر قلق “حزب الله”، كما يراه هؤلاء العارفون، يعود إلى ما تجمّع لديه من معطيات حسّية وموضوعية عن توجّه عام لدى أغلبية الشعب اللبناني بالتحرّر التدريجي من “لعبة” التخويف، التي مورست عليه طوال سنوات. ويستند هؤلاء إلى الأصوات التي بدأت تصدح ضد توجّه “الحزب”، حتى من داخل بيئته، وآخرها كانت الرسالة التي وجهها المدير العام السابق لوزارة الإعلام محمد عبيد إلى قيادة “حزب الله”، مع ما تضمنّته من “نصائح” بضرورة تغيير نهجه في تعاطيه الداخلي، إضافة إلى شعوره بأن حليفه المسيحي، أي “التيار الوطني الحر”، قد بدأ يخسر كثيرًا من قواعده الشعبية، أقّله لدى الطبقة الشعبية غير الحزبية، والتي كانت لا تزال ترى أن ثمة مجالًا للمراهنة على مبادىء “التغيير والإصلاح”، والتي سقطت مع الإنهيار الشامل التي عاشته البلاد في السنتين الأخيرتين.
وقد يكون للبحث صلة في ما يتعلق بما يمكن أن يُقدم عليه “حزب الله” لإعادة تموضعه في الداخل اللبناني. إلى الغد بإذنه تعالى.