منذ أن أصبح “حزب الله” رقمًا صعبًا في المعادلة الإقليمية بعد مشاركته الفعلية عسكريًا في الحرب السورية يُقال أن لهجته الداخلية بالنسبة إلى الوضع السياسي اللبناني قد تغيّرت، مع أن كثيرين من المقربين منه يقولون عكس ذلك، ويؤكدون أنه لم يستغل في الداخل اللبناني ما حققه ميدانيًا في سوريا، وأنه لو أراد “تقريش” ما يعتبره إنتصارًا لكان جأ تصرّفه مغايرًا لما هو عليه الواقع اليوم.
لا شكّ في أن آراء اللبنانيين منقسمة حول دور “حزب الله” في الإقليم وفي الداخل اللبناني. وهذا الإنقسام ينعكس على كل مفاصل الحياة السياسية، ويؤثّر في شكل سلبي على عمل كل من مجلس النواب ومجلس الوزراء. وقد يكون تعطيل دور العمل التشريعي، في الدورة الإستثنائية، قبل التوصل إلى تسوية قام بها رئيس الحكومة، ورقة ضغط في وجه الذين يعطّلون عمل السلطة التنفيذية. وهنا تبرز المبارزة السياسية،
فالذين يؤيدون توجهات “حزب الله” في الداخل وفي الإقليم يرون أن هناك هجمة دولية وإقليمية، تساندها قوى سياسية من الداخل، على دور المقاومة، في محاولة مكشوفة لـ”قصقصة” جناحيها، العسكري والمدني في آن، من خلال ما يُفرض على الحزب من عقوبات خارجية.
وهذه المحاولات، في رأي الذين يساندون سياسة “حزب الله”، دفعت القيادة الحزبية إلى التشدّد في خياراتها الإستراتيجية على كافة المستويات. ومن هنا يمكن الإستنتاج لماذا لجأ السيد حسن نصرالله إلى تصعيد لهجته ضد المملكة العربية السعودية، ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية.
أمّا الذين يعارضون سياسة “حزب الله” وتوجهاته الداخلية التي يعتبرون أنها مرتبطة بأجندات خارجية، وبالتحديد الأجندة الإيرانية، فيرون أن مشكلة “الحزب” الاساسية هي في عدم أخذه في الإعتبار خيارات المكّونات السياسية الأخرى، التي لا تتماشى سياستها مع سياسته، حتى أن الشيخ نعيم قاسم ذهب بعيدًا في آخر تصريح له عندما دعا اللبنانيين “الآخرين” إلى التفتيش عن صيغة أخرى غير الصيغة التي يراها “حزب الله” أكثر ملاءمة مع جو “الممانعة”، وهذا ما إعتُبر كنتيجة حتمية وكترجمة عملية لـ”فائض القوة”، التي لم تكن الحلّ في أي مرحلة من مراحل الحياة السياسية في لبنان، إذ لا يمكن أن تفرض أي فئة لبنانية، مهما كبر حجمها، إرادتها ورأيها على سائر مكونات المجتمع اللبناني. وفي التاريخ الحديث والقديم شواهد كثيرة على صوابية خيار النظام التوافقي في لبنان، وهي الصيغة التي آمن بها كل من الإمامين موسى الصدر ومحمد مهدي شمس الدين، والرئيسين بشاره الخوري ورياض الصلح، والبطريرك الياس الحويك والمفتي حسن خالد، والشيخ محمد أبو شقرا وجميع الذين آمنوا بصيغة العيش الواحد من ضمن صيغة توافقية وإرتضوها بعيدًا عمّا يسمّى بالديمقراطية العددية.
فالديمقراطية العددية، وفق التجارب المماثلة للتجربة اللبنانية في العالم، وبالأخصّ في سويسرا، لا تتماشى مع الديمقراطية التعدّدية. فالصيغة التوافقية في إدارة شؤون البلد قد تكون، في رأي كثيرين، أفضل الصيغ المطروحة من أجل الخروج من دوامة “الصراعات الصغيرة”، التي تنتج من وقت لآخر صراعات أكبر. وهذا ما شهدناه في محنتي سنة 1958وسنة 1975، وفي شكل مصغّر في 7 أيار من العام 2008.
وإذ ما إستُخدم فائض القوة، أمس واليوم وغدًا، في غير موقعه الطبيعي قد يصبح نقمة بدلًا من أن يكون نعمة. وهذا هو حال “حزب الله”، الذي يعتبر البعض أنه يتصرف وكأنه وحده على الساحة، فيما يخالف هذا الرأي جمهور عريض من بيئة الحزب، الذين يؤكدون أنه يستخدم فائض القوة في وجه من يحاول تهديد لبنان وأمنه وإستقراره.