حوار “آخر العهد”.. هل يسلك طريق التنفيذ وأيّ رهانات عليه؟!

6 يناير 2022
حوار “آخر العهد”.. هل يسلك طريق التنفيذ وأيّ رهانات عليه؟!

في رسالته الأخيرة التي وجّهها إلى اللبنانيين، طرح رئيس الجمهورية ميشال عون فكرة الدعوة إلى حوار بين الأفرقاء، يتركّز على عناوين محدّدة هي الاستراتيجية الدفاعية، وخطّة التعافي المالي، ومشروع اللامركزية، وتحديد السياسة الخارجية، في ضوء “التوتر” الذي تشهده العلاقات مع العديد من الدول، وعلى رأسها الخليج، في الآونة الأخيرة.
 
لم تأخذ الفكرة “مداها” من البحث والنقاش، ربما لأنّ “التشنّج” السياسي الذي شهدته البلاد على وقع الخطابات والخطابات المضادة التي حفلت بها في الأيام القليلة الماضية كانت “أقوى”، وهي المستمرّة فصولاً حتى الآن، والتي يرجّح أن تتفاقم أكثر في المرحلة المقبلة، وربما لأنّ الفكرة بحدّ ذاتها لم تُطرَح بداعي “التنفيذ”، برأي البعض، بقدر ما كان الهدف منها “رفع العتب”، بعدما وصل الرئيس إلى السنة الأخيرة من عهده، من دون تحقيق ما يصبو إليه من إنجازات.
 
لكن، في مقابل هذه النظرة “السوداويّة”، ثمّة من يعتقد أنّ الفكرة، رغم كلّ التحفّظات التي أثيرت بشأنها، “سلكت طريقها” للتنفيذ، خصوصًا بعد اللقاء “المثمر” الذي جمع رئيسي الجمهورية والحكومة في قصر بعبدا أمس، وقيل إنّه أسّس لـ”تسوية متكاملة”، تقوم على فتح دورة استثنائية لمجلس النواب حتى يتسنّى له الانعقاد، والتئام الحكومة لبحث الموازنة وربما غيرها، وفي الوقت نفسه، تهيئة المناخات اللازمة لطاولة الحوار التي يتوخّى الرئيس عون الدعوة إليها.
 
 لماذا الآن؟!
يختصر سؤال “لماذا الآن؟!” الكثير حول “الهواجس” التي يطرحها البعض عن “التوقيت” الذي اختاره رئيس الجمهورية لطرح مبدأ الحوار، هو الذي كان قد قلّل من شأنه سابقًا، بل اعتبر أنّ “تبنّيه” سيضعه تلقائيًا في “مقارنة” مع الرئيس السابق ميشال سليمان، وهو ما لم يكن راغبًا به، بعدما صوّر نفسه في مكان مختلف عن كلّ الرؤساء الذين تعاقبوا على سدّة الرئاسة منذ اتفاق الطائف، في “نموذج” يسعى لتكريسه في المرحلة المقبلة أيضًا.
 
ولعلّ أهمية السؤال تتعزّز، حين يتمّ ربط الدعوة “الحوارية” بالتباين الذي نشأ بين رئيس الجمهورية و”حزب الله”، على خلفية تعطيل الأخير بالتكافل والتضامن مع “حركة أمل”، لجلسات الحكومة، بسلاح “المقاطعة الميثاقية”، ما جعل الدعوة إلى حوار حول “استراتيجيته الدفاعية” أشبه بـ”رسالة ضمنية” إلى الحزب، خصوصًا أنّه ركّز في رسالته على دور “الدولة وحدها” في صياغة الخطة الدفاعية، ولو أنّه استعاد معادلة “الجيش والشعب والمقاومة”.
 
من هنا، يعتقد كثيرون أنّ فكرة الحوار، ولو وسّع رئيس الجمهورية “أجندته” ليشمل قضايا أخرى، مرتبطة بالواقع الحالي، على غرار الأزمة المالية التي يواجهها البلد منذ أشهر، ليست أكثر من “ذرّ للرماد في العيون”، وهي قد لا تتخطّى بهذا المعنى مبدأ توجيه “الرسائل” الذي أراده الرئيس من كلمته الأخيرة، خصوصًا لـ”حزب الله” الذي بات برأيه يتبنّى سياسات “الخصوم” بدل مساعدة “العهد” على تحقيق الأهداف المرجوّة.
 
من يحضر؟
وسواء سلكت الفكرة طريقها نحو الترجمة أم لا، تتباين الآراء بشأنها، فثمّة من يعتبر أنّها ضرورية، وقد تكون “فاتحة” الطريق نحو بدء حلّ الأزمات المتراكمة، وثمّة من يرى في المقابل أنّها “تأخّرت” كثيرًا، في حين كان الحريّ به الدعوة إلى مثل هذا الحوار منذ انطلاقة “العهد”، كما كان قد وعد أساسًا، ما يطرح سلسلة من علامات الاستفهام حول مدى “قابلية” فكرة الحوار للتطبيق أساسًا، والمقوّمات التي تتيح ذلك، وقبل ذلك، حول كيفيّة تلقّف مختلف الأفرقاء واللاعبين السياسيّين مع مثل هذه “المبادرة”، إن دخلت حيّز التنفيذ.
 
يخشى كثيرون أن تصطدم الدعوة إلى طاولة الحوار بجدار “المقاطعة”، ولا سيما أنّ الكثير من الأطراف المفترض دعوتهم، لا ترى في رئيس الجمهورية “الحَكَم الحياديّ”، بل تعتبره “طرفًا”، وهو ما قد يكرّر “تجارب” غير ناجحة شهدتها حوارات سابقة، كان الرئيس قد “حصرها” أساسًا في الملفات الاقتصادية. ويعتقد هؤلاء أنّ “السيناريو” لن يكون مغايرًا هذه المرّة، رغم الكلام “الودّي” الذي صدر عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي أكّد أنّه من “دعاة” الحوار، وقبله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وغيرها.
 
لكن لا يبدو أنّ الموقف نفسه يُنتظَر من معظم القوى الأخرى، على غرار حزب “القوات” أو حزب “الكتائب”، أو حتى تيار “المستقبل” وتيار “المردة”، إذ لا تبدو هذه الأطراف في وارد المشاركة في مثل هذه الطاولة، التي قد تصنَّف في بعض الميادين وكأنّها “تطبيع” مع “العهد”، وخصوصًا في توقيت “حسّاس” عشيّة انتخابات توصَف بـ”المفصليّة”. أكثر من ذلك، ثمّة من يقول أنّ القوى الداعمة للحوار في المبدأ قد لا تكون “متحمّسة” له في الظرف الحالي، وهو على سبيل المثال موقف “الحزب التقدمي الاشتراكي” الذي شدّد على وجوب “تفعيل” الحكومة أولاً.
 
يقول البعض إنّ الحوار الذي دعا إليه الرئيس، “مات قبل أن يولد”، فأجواء الانتخابات التي دخلتها البلاد تميل نحو تكريس مناخ “التشنج” الذي لا يشبه المناحات المطلوبة لإنجاح أيّ حوار. صحيح أنّ بعض المصادر تحدّثت في اليومين الماضيين عن بدء “التحضيرات اللوجستية” لتوجيه الدعوات، لكن ثمّة من يعتقد أنّ هذه “التسريبات” توخّت “جسّ النبض” بالدرجة الأولى، لأنّ الرئيس لا يمكن أن يدعو إلى حوار من دون أن “يضمن” نجاحه سلفًا، خصوصًا مع بدء العدّ العكسي لانتهاء الولاية الرئاسية!