منذ اندلاع الأزمة الماليّة، شهد القطاع العقاري حركةً لافتة، خصوصًا بين عامي 2019 و 2020، وسجّل ارتفاعًا في بيع العقارات وصل إلى 110.4% عام 2020 وفق تقرير صادر عن بنك عودة، حيث عمد أصحاب الودائع إلى تحويل أموالهم المحجوزة في المصارف إلى القطاع العقاري، من خلال شراء الشقق لقاء شيكات مصرفيّة، الأمر الذي مكّن المطوّرين من سداد إلتزاماتهم وديونهم للمصارف. هكذا شكلّ القطاع العقاري ملاذًا آمنًا للمتوجّسين من أزمة المصارف. لكن الأمر اختلف في الآونة الأخيرة، بحيث تراجعت حركة المبيع لا بل باتت شبه معدومة، بعدما توقّف المطوّرون عن قبول الشيكات المصرفية وباتوا يطلبون السداد بالـدولار النقدي، أو عبر حسابات خارج لبنان “فتراجعت قيمة المبيعات العقارية بنسبة 0.7% خلال الأشهر السبعة الأولى من العام 2021، بعدما سجّلت ارتفاعاً لافتاً بلغت نسبته 110.4% في العام 2020” وفق تقرير بنك عودة عن واقع القطاع العقاري.
التراجع في عمليات البيع يؤكّده رئيس مجلس إدارة شركة “رامكو” العقارية رجا مكارم في حديث لـ “لبنان 24″، في الأشهر الستّة الأخيرة عمد المطوّرون إلى طلب fresh dollar فتراجعت الحركة، لا بل توقّفت عمليات البيع على كلّ المستويات، من الأراضي إلى الشقق في بيروت وفي المناطق كافّة، لأنّ من يملك الدولار النقدي يبحث عن “لقطات” بأسعار مغرية، ويطمح لتحقيق انخفاض في الأسعار يتجاوز نسبة الـ 50% المعروضة حاليّا. أضاف مكارم أنّ القاعدة التي يحتسبها المودع أو الشاري المفترض، هي أنّه يسحب ما تيسّر من أمواله المحتجزة في المصارف بنسبة تتراوح بين 15% و18% من قيمتها الفعليّة، أي بهيركات يصل إلى 85%، بالتالي إسقاط المعادلة نفسها على بائع العقار تفترض حسم ما لا يقل عن 70% من السعر الذي كانت عليه الشقق عام 2019، وفي حال باع المالك عقاره بنسبة 40% من قيمته التي كانت قبل الأزمة، سيحقّق سعرًا جيدًا بمردود يصل إلى 30 و 40%، في حين أنّ المودع لا يحصل سوى على 15% من قيمة أمواله. لذلك يعتبر الشاري أنّ خفض أسعار الشقق إلى 50% ما زال قليلًا، خصوصًا أنّ الدفع بالدولار النقدي. وهناك زبائن مستعدّة للشراء بحسم يصل إلى 70%، انطلاقًا من هنا لا يلحظ السوق عمليات بيع، فقط البائع المستعد لحسم 70% لديه أمل ببيع عقاره”.
هل سنشهد هبوطًا مدوّيًا بأسعار الشقق في العام 2022 فيما لو بقي الجمود على حاله؟
“انطلاقًا من وقائع السوق، الأمور ذاهبة باعتقادي إلى انخفاض كبير، خصوصًا أنّ البائعين سيعرضون بيع الشقق انطلاقًا من حاجتهم للمال، الأمر الذي سيجبرهم على القبول بحسم يتجاوز الـ 50%، وسنشهد حسومات تصل إلى 60 و 70% من قيمة الشقق مقارنة بأسعارها عام 2019. رغم هذه الحسومات الكبيرة سيحقّق البائع مردودًا مضاعفًا، نسبةً إلى المردود الذي يتوفر له من عمليّة سحب أمواله في المصارف وتحويلها من لولار”.
بيعت 3000 شقة
ليس هناك من رقم دقيق لعمليات البيع التي حصلت منذ بدء الأزمة عام 2019، ولكن الرقم القريب إلى الواقع يقدّر بحوالي 3000 شقة بيعت بين عامي 2019 – 2020 من قبل المطوّرين والمصارف، وفق مكارم “هذه الشقق يعرضها مالكوها الجدد للإيجار لتحصيل مردود مالي بظل الضائقة الماليّة. قلّة قليلة من المستأجرين يدفعون fresh dollar، هم الأجانب وعددهم يتراوح بين 50 و 100 مستأجر، مقابل 3000 شقة معروضة للإيجار، من هنا سيجد أصحاب الشقق أنفسهم مضطرين لتخفيض بدل الإيجار، إسوة بما حصل في أسعارالشقق”.
لطالما نظر اللبنانيون إلى العقار على أنّه استثمار آمن، لكن بظل التوقعات المستقبليّة السلبيّة في البلاد، واستمرار الأزمة السياسة، لن يغامر حملة الدولار النقدي بإنفاق أموالهم على العقارات، خصوصًا أنّ تسييلها أمرٌ بالغ الصعوبة، وقد يحتاجون للمال النقدي لإنفاقه على تأمين معيشتهم واستشفائهم وتعليم أولادهم، فيما أموالهم محتجزة في المصارف والسحوبات بالقطارة وبهيركات تجاوز الـ 85%.
ماذا عن المغتربين ؟
يجيب مكارم “المغترب بدوره يخاف من الإستثمار في أيّ قطاع في لبنان في ظلّ البيئة السلبيّة، بحيث دخلنا في المجهول. مما لا شك فيه أنّ من حوّل أمواله من اللولار إلى العقار حدّ من خسارته، لتكن بأسوأ الحالات 70% بدلًا من 85%. لكن هناك تردّد حيال المستقبل، والثقة لن تُستعاد قبل مرور وقت طويل، بالتالي الناس لن تتجرأ على إعادة توظيف أموالها في القطاع العقاري وفي كافة الإستثمارات”.
لا مشاريع عقارية جديدة
وفق مقاربة مكارم ليس هناك من عاقل يدخل في مشروع عقاري جديد في ظلّ الظروف الراهنة، ومَنْ سيقدم على ذلك سيحتاج إلى fresh money لدفع أكلاف البناء، من أين سيأتي بالأموال؟ إذ لا يمكنه الإقتراض من المصارف، ولن يجد من يشتري شققًا على الخريطة من دون سند ملكية كما كانت الأمور في السابق كونها مخاطرة كبيرة، بالتالي لن يتمكن من تمويل مشروعه، والإستثمار في العقار بات مجازفة كبيرة. من هنا لا أعتقد أنّ القطاع سيشهد حركة تطوير عقاري في المستقبل القريب، أمّا المشاريع الموجودة فتعود لبيع أراض أو عمليات فرز”.
القطاع العقاري مأزوم بطبيعة الحال شأنه شأن باقي القطاعات، ولو أنّه شهد انتعاشًا موقتا في بداية الأزمة فرضته الحاجة إلى التهريب الودائع من المصارف. أزمة العقارات ستنعكس سلبًا على معيشة المواطنين خلال العام الحالي، وستنتج أزمة سكن حادّة، يستحيل معها أن يتملّك المقبلون على الزواج شققًا سكنية بظل غياب القروض السكنية وتدني القدرة الشرائية. ومع تفاقم الأزمة تبدو الحاجة ملحّة إلى إقرار قانون الإيجار التملكي ووضعه موضع التنفيذ.