معادلات قد تتغيّر.. ماذا لو غاب تيار “المستقبل” عن الساحة السياسيّة؟

11 يناير 2022

تنتظرُ الكثير من الأطراف في لبنان لحظة إعلان “انتهاء تيار المستقبل سياسياً”، في حين أنّ هناك جهات تُحاول الضغط باتجاهِ تحجيم التيار أكثر وأكثر خلال الانتخابات النيابيّة، إما عبر تشتيت الأصوات ضمن الدوائر التي يحضرُ فيها التيار، أو عبر طرح مرشحين لديهم قدرة على استقطابٍ شعبي يُجرّد “المستقبل” من أوراق قوّته.
في الواقع، لا يُمكن أبداً للتيار الأزرق أن يُنكر صعوبة المرحلة، حتى أن أحد المسؤولين الحزبيين ضمنه قال في جلسة داخلية: “المعركة كبيرة والجميع يستهدفنا، وقد نلقى الضربات من أقرب الناس. فلنستعد للمواجهة الانتخابية وليكن الجميع على دراية أن تيار المستقبل لن ينكسر”.
حتماً، بات “المستقبل” اليوم في موقع المُدافع عن نفسه خصوصاً أن إمكانية خسارته لمقاعد نيابية ضمن كتلته، يعتبرُ أمراً وارداً بنسبةٍ كبيرة. ولكن على أية حال، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه بشكل أساسي: ماذا سيحصلُ في حال بات تيار المستقبل خارج اللعبة؟
لا يختلف إثنان على أنّ أمرَ عدم مشاركة “المستقبل” في الانتخابات يكون بمثابة إنزواء تام، ويجعله في موقع المُعارضة المجرّدة من الوجود داخل السلطة. وفعلياً، فإنّ “المستقبل” كان اتخذ هذه الخطوة في أوقات سابقة خصوصاً في العام 2016 إبان الانتخابات البلديّة، إذ قرّر عدم المشاركة ضمنها في مناطق وازنة شعبياً بالنسبة له. أما اليوم، فإن الظروف اختلفت تماماً كما أن الانتخابات النيابية تختلف تماماً بماهيتها، في حين أنّ المستهدف هذه المرة هو التيار ككل ونهجه، وليس فقط الكتلة التي تنتمي إليه.
في حال انكفاء “المستقبل” سياسياً، فإنّ الكثير من الملفات ستصبح مُشرّعة، إذ سيقوم الخصوم بمحاسبة كل من انتمى إلى التيار من وزراء ونواب، وتحويلهم إلى القضاء، كما حصل في حقبات سابقة. أما الأخطر فهو أن انتهاء “المستقبل” سياسياً يعني انكسار “التيار السني الأول في لبنان”، أي أن الطائفة السنية ستُصبح مهمّشة إلى حدّ كبير. وهنا، فإنّ التوازنات ستتعرض لاختلال كبيرٍ، الأمر الذي سيشكل نقمة واسعة في صفوف الطائفة التي تعتبرُ أنها تلقت خسائر كثيرة مقابل مغانم حصلتها طوائف أخرى.
إضافة إلى ذلك، فإن الحديث عن انتهاء “المستقبل” سياسياً يحتاجُ إلى بديل يمكنه ملء الفراغ الذي سيتركُه. وحالياً، فإنّ هذا البديل قد لا يكون متوفراً، مع العلم أن هناك جهات تحاول استغلال تراجع “المستقبل” للانقضاض على مناطقه وتحويل القاعدة الشعبية باتجاه آخر عبر لعبة المال.
في ظلّ كل هذه المشهدية، يتبين أن أي ضربٍ لتيار “المستقبل” يعني انكسار ركن أساسي من أركان المعادلة السياسية في لبنان. وعندها، فإن الأمور لن تبقى على حالها، وفي حال تحقق حلم البعض بانتهاء “التيار الأزرق”، فإنّ ذلك يدلّ على أن الطبقة السياسية القائمة حالياً تعاني من التحلّل، والإلغاء الذي يُراد للمستقبل قد يطال أطرافاً أخرى.
إذاً، ما تنوي عليه بعض الأطراف إنّما لا يدلّ على مسارٍ سليم، وفي حال كان “المستقبل” هو الحلقة الأضعف اليوم، فإنّ عواقب إلغائه ستكون وخيمة على المعادلة اللبنانية. فماذا سيكون موقف الأطراف التي كانت تستفيدُ من “المستقبل” سياسياً؟ وهل ستقبل بالبديل عنه مهما كانت الأثمان؟