من دون أثرٍ يُذكر أو لون، باستثناء اللون السياسي الواحد، انتهت اللقاءات الثنائية التي عقِدت في بعبدا أمس تمهيداً للبحث في إمكان الدعوة لعقد طاولة حوار، إذ تقابلت الصورة في القصر الجمهوري، من وحي سوء الحظّ، مع ما سميّ “لقاء المعارضة في الجزيرة العربية” الذي دعمه “حزب الله” مقيماً فعاليات “استعراضية” غايتها التهجّم على المملكة العربية السعودية في الضاحية الجنوبية لبيروت، بمناسبة تاريخ إعدام نمر باقر النمر.
واختار “حزب الله” أمس القول بأعلى صوته “لا للحوار” وبنوده، بعدما زعم قبل يومٍ واحدٍ فحسب بأنّه مؤيّد للخطوة التي دعا إليها رئيس الجمهورية ميشال عون والتي وضع فيها عنوان الاستراتيجية الدفاعية على رأس البنود الأساسية. إلا إذا كانت الاستراتيجية الدفاعية التي يعتزم “الحزب” مناقشتها على الطاولة الحوارية في بعبدا، هي استراتيجية التدخّل في اليمن ودعم إطلاق “الصواريخ” السياسية والمسلّحة على السعودية… و”أهلا بالحوار”.
ولم يأتِ الردّ متأخّراً على “لقاء الضاحية الحواري” بأحرف موقف سفير المملكة العربية السعودية في لبنان وليد بخاري، الذي استعاد كلماته التي عبّر عنها بمناسبة الاحتفال بمئوية العلاقة بين البطريركية المارونية والمملكة في بكركي. فغرّد البخاري على “تويتر”، مشيراً إلى أن “لا شرعيّة لخطاب الفتنة والتقسيم والشّرذمة، ولا شرعيّة لخطابٍ يقفز فوق هوية لبنان العربيّ”.
ويبدو أن البيان الختامي لمبادرة الرئاسة الأولى سينتهي قبل أن تتم تلاوته، إذ أشارت معلومات “لبنان الكبير” إلى أن الخطوة الأقرب إلى الاتخاذ، بعد المشاورات الأولية مع رؤساء كتل قوى 8 آذار، ستكون إرجاء خطوة الدعوة لعقد طاولة حوارية في مرحلة قريبة لاعتبارات متعلّقة بتغيّب عدّة أحزاب عن الحضور، مع التعبير عن شجب لما يسميه مقربون من العهد “عدم اكتراث” بالدعوة من قوى متعارضة سياسياً واجتمعت على عدم الحضور.
ومع الاتجاه لطي صفحة الدعوة إلى طاولة حوارية، تتّجه الأنظار إلى يوم الغضب الذي ينطلق الساعة الخامسة فجر اليوم وحتى الخامسة مساءً، والذي أقفلت على أساسه القطاعات التربوية والمصرفية مع علامات استفهام حول ما يمكن أن ينتج عنه. وشكّكت مصادر سياسية معارضة عبر “لبنان الكبير” في أهداف الدعوة وتوقيتها باعتبار أن الاتحاد العمالي العام محسوب على جهات سياسية معروفة مرتبطة بمحور “الممانعة”، في وقت تحلّ الدعوة مع انطلاق تقديم طلبات الترشح للانتخابات النيابية، وسط مخاوف أن تكون بداية ابتداع فوضى عشوائية غايتها تطيير الأجواء المواتية للاستحقاق.
ويتزامن يوم غضب الاتحاد العمالي مع “يوم غضب” يسمّي الأشياء بأسمائها مع إطلاق “المجلس الوطني لرفع الاحتلال الايراني عن لبنان” برئاسة الوزير السابق أحمد فتفت وبانتساب شخصيات سيادية عابرة للطوائف والمناطق. وتتمثل العناوين الأساسية للمجلس الوطني برفض الهيمنة الايرانية على لبنان وتفعيل سبل المواجهة السياسية، والتأكيد على ضرورة احترام وثيقة الوفاق الوطني وقرارات الشرعية الدولية.
وثمّة نوعٌ من الانتقادات المبطنة بدأت تُوجّه إلى “المجلس الوطني” بما يشمل بعض المقرّبين من الوزير السابق نهاد المشنوق والذين يعتبرون أنه صاحب فكرة إنشاء جبهة لتحرير لبنان، في وقت علم “لبنان الكبير” أن دعوة لم توجّه إلى المشنوق من المؤسسين للمجلس الوطني لحضور جلسة مناقشة النظام الداخلي لاعتبارات تعتبره من “وجوه العهد الرئاسي الحالي”.
على صعيد التطورات الحكومية، أشار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمس إلى أنّه “طالما أننا على مشارف إنجاز المهمات الأساسية التي نعمل لتحقيقها فإننا مستمرون في المهمة التي قبلنا المسؤولية على أساسها وندعو الجميع إلى التعاون معنا لإنجاح هذه المهمة بما يعيد العافية إلى لبنان واللبنانيين”. وخلال رعايته حفل إطلاق “التقرير المحدّث لواقع البيئة في لبنان”، أكد ميقاتي “السعي إلى عودة الحكومة سريعاً للاجتماع حتى تنتظم أمور البلد والناس، ونتابع مسيرة الإنقاذ قبل أن يغدرنا الوقت ونصبح ضحايا أنفسنا”.
ولفت ميقاتي إلى أن “لبنان يستحق كل تضحية، واللبنانيون يتطلعون إلى عودة الحياة إلى لبنان، وإنقاذه من مخاطر الإفلاس والتدهور. ونحن فخورون بصداقات لبنان الدولية ونشكر كل اهتمام وحرص على مساعدة لبنان للنهوض واستعادة دوره على الساحتين الإقليمية والعالمية، لكن الجهد الأول مطلوب منّا نحن اللبنانيين. من هنا واجبنا وقف التعطيل والعودة إلى طاولة مجلس الوزراء لإنجاز ما هو مطلوب”.
والتقى ميقاتي أمس في السراي الحكومي، وزير خارجية النمسا ألكسندر شالنبرغ، يرافقه سفير النمسا رينيه بول أمري، ومستشارة وزير الخارجية أندرياس باشر، ورئيس قسم الشرق الاوسط في الخارجية النمساوية جيرود فوليمر. وجرى خلال الاجتماع البحث في العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل دعم النمسا للبنان.
الرئيس عون أكد خلال لقائه شالنبرغ على أهمية المفاوضات التي يجريها لبنان مع صندوق النقد الدولي تمهيداً للخروج من أزمته الراهنة، لافتاً إلى وجود الإرادة الطيبة بنجاحها لدى الفريقين، داعياً النمسا لدعم عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ولا سيما في ظل استتباب الأمن في معظم المناطق السورية، وإلى تشجيع الأمم المتحدة والدول المانحة على منح المساعدات داخل سوريا تمهيداً لهذه العودة.