بعيدا عن الانهيار الاقتصادي الذي قد تكون مساهمة عهد الرئيس ميشال عون فيه محدودة، الا ان احدى اهم مكامن فشل التجربة العونية في الرئاسة هي سقوط نظرية “القوي”، فالعهد القوي، نسبةً الى الزعيم المسيحي الذي سيعيد المجد الى الموقع الاول، فشل، واول ما فشل فيه، هو المعارك السياسية.
بالنظر اليوم، وبعد اكثر من خمس سنوات من عمر العهد، الى نتيجة الصراع بين الرئاسة الاولى و”منظومة الطائف” كما يحب العونيون تسميتها، نرى ان العهد تهشم سياسيا وحمل وزر الانهيار في السياسة والاعلام، وان المعارك السياسية التي خاضها، خسر فيها.فقط في الاسابيع الاخيرة خسر العهد معركة المجلس الدستوري ضد الرئيس نبيه بري، ومعركة عدم فتح دورة استثنائية في المجلس النيابي وها هو يخسر معركة الحوار الوطني بالرغم من السلالم التي وضعت له من هنا وهناك.
الحوار بالنسبة للرئيس ميشال عون كان استعادة لدور الرئاسة الاولى بعد سلسلة الانكفاءات، وتمهيدا للحفاظ على دور التيار الوطني الحر وتسليمه اوراق قوة في اكثر من ملف، لكن هذه الدعوة دفنت قبل ان تولد حتى بات السعي الى انجاحها اقرب ما يكون الى الكوميديا السوداء.. بعد اعتذار الرئيس سعد الحريري عن عدم المشاركة وحذر الرئيس نجيب ميقاتي في الاندفاع لتأييد مبادرة عون الحوارية، سقطت طاولة الحوار، اذ ان المكون السني كان خارجها، وبالتالي فإن الحوار الذي وضعت عناوين كبيرة لتناقش خلاله، لم يعد مؤهلا لاي نقاش استراتيجي.لكن الرئيس عون قرر استشارة رؤساء الكتل النيابية، حيث استمر نزف الكتل النيابية غير الراغبة في المشاركة واحداها تيار المردة، لكن المفاجأة كانت في اعلان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل انه طلب من رئيس الجمهورية ان يستمر بالحوار بمن حضر!
بمن حضر؟ اي ان يكون الحضور هو التيار، وحليفه حزب الله، وحليف حليفه حركة امل وشريكه في التكتل النائب طلال ارسلان… يعتقد باسيل ان العناد السياسي انتصار، لكن الواقع ان عقد هكذا الحوار سيكون خسارة جديدة للعهد ومساهمة منه في تظهيره بعزلة سياسية كبيرة.سيؤدي الحوار “بمن حضر” الى زيادة الشرخ بين الرئاسة الاولى ومكونات سياسية اساسية في لبنان، وقد يكون هذا الامر آخر ما يريده باسيل قبل الانتخابات النيابية وقبل الاستحقاقات الدستورية الكثيرة المقبلة في لبنان.