لم يكنُ كلامُ الوزير السابق وئام وهاب قبل يومين عن تيار “المستقبل” عادياً، إذ أكد صراحة على أنّ “التيار ما زال الأقوى في الطائفة السنية، وهناك قرارٌ سعودي – أميركي بخوض الحريري الانتخابات لأنهم لا يمكن أن يحصلوا على الأكثرية بدونه”.
انطلاقاً من اعتبارات عديدة، يتضحُ كثيراً أنّ خصوم الحريري ينتظرون عودته إلى لبنان لمعرفة التوجّهات السياسية التي سيرسمها مع الانتخابات النيابيّة المقبلة. وعلى هذا الأساس، فإنّه لا “حزب الله” و لا حركة “أمل” وحتى الحلفاء في محور “الممانعة”، يريدونَ انكسار الحريري سياسياً وانتخابياً.
على أساس هذه القاعدة، قد يكونُ التحرّك كبيراً لتحصين الحريري انتخابياً في العديد من الدوائر، وذلك بشكلٍ مباشر من قبل الخصوم. وكأبسط مثال على ذلك، قد يتكرّر السيناريو الذي برز خلال انتخابات العام 2018 عندما ساهم “حزب الله” ومعه حركة “أمل” بدعم مرشحين تابعين لرئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط، في دائرة الشوف – عاليه. وهنا، فإن هذا الأمر قد يحصل مع مرشحين يدعمهم الحريري وينتمون لتيار “المستقبل” في دوائر عديدة، وذلك من أجلِ الحفاظ على الحريري سياسياً ونيابياً بالحدّ الأدنى.
في المقابل، فإن الحديث عن هذا الأمر، وإن لم يحصل، إنّما ينبعُ من نقطة أساسية، وهي أن أي اختلالٍ في موازين القوى السياسية سيدفع بجميع الأفرقاء حفاظاً على بعضهم البعض في ظلّ المعركة التي تحمل شعار “البدائل”.. وهنا، يُطرح السؤال الأساس: كيف يمكن مقاربة صورة البديل للمستقبل؟
على السّاحة السنية، ورغم أنّ الكلام دائماً يتجه نحوَ عناصر جديدة تبرزُ بقوة “مالياً وإعلامياً”، فإنّ القبول بتلك العناصر لا ينحصرُ فقط عند أطراف شعبية فحسب، بل إن الأفرقاء السياسيين الآخرين يحتاجون في البداية للقبول بالبديل عن الحريري ومن ثمّ العمل على تثبيته لمشاركة الحياة السياسية معه.
فعلياً، فإنّ هذا الأمر غير قائم أبداً لدى خصوم الحريري بدرجة كبيرة، إذ يعتبرون “البدائل الجديدة” ليست في المستوى الذي يدفع نحو تسليمها قيادة الطائفة السنية. كذلك، فإنّ أسلوب الحريري تميّز بمرونة ساهمت في تعاطي الخصوم معه بقبول أكبر، رغم الخلافات الجوهرية بين الطرفين.
أمّا في ما خصّ الأطراف المتحالفة مع الحريري، فإنّها لا تجد أرضية لها عند البدائل التي تطرح نفسها مكان الحريري. فمثل جنبلاط، فإنه لا حليف سنيّ له إلا “المستقبل” وكذلك “القوات اللبنانية”. أما الأفرقاء الآخرين مثل “حزب الله” و حركة “أمل”، فإنه عندما يتحدثون عن احباط الفتنة السنية – الشيعية، إنما يضعون الحريري أساساً في ذلك.
إذاً، لا يمكنُ اليوم الحديثُ عن انتهاء الحريري سياسياً .كذلك، فإن النقاش على هذا الصعيد يعني ضرباً للمنظومة القائمة عن بكرة أبيها. أما الأمر الأهم فهو أنّ الأطراف الخارجية الفاعلة باتجاه لبنان لم تتحدث عن إلغاء الحريري ولم تروج لهذه النظرية حتى المملكة العربية السعودية، كما تروج بعض الأطراف السياسية في لبنان. وعليه، يبقى الحريري حاضراً بقوة ومتيناً بين الجميع، وما يتبين هو أنه قوي لأنه ما من أحدٍ يقبل إلغاءه!.