منذ إنفجار قضية المحقق العدلي طارق البيطار في مجلس الوزراء وإمتناع وزراء الثنائي الشيعي عن الحضور ما أدى الى تعطيل الحكومة، لم يترك التيار الوطني الحر ورئيسه جبران باسيل مناسبة إلا وطالب من خلالها بإعادة تفعيل عمل الحكومة، محملا بذلك المسؤولية تارة الى حليفه حزب الله متهما إياه بالسير وفق توجهات الرئيس نبيه بري، وتارة أخرى الى رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي الذي كان يمتنع عن الدعوة الى الجلسات حرصا منه على عدم إستفزاز الثنائي وعلى عدم تفجير الحكومة من الداخل، وحفاظا على الميثاقية التي تعتبر أساسا في عمل المؤسسات الدستورية.
قبل أيام وتحديدا خلال مشاورات الحوار في قصر بعبدا، إستخدم النائب جبران باسيل منبر رئاسة الجمهورية لشن هجوم عنيف على الثنائي الشيعي لا سيما حزب الله متهما إياه بالتسبب في إنهيار البلد ثم عاد وكرر هذا الاتهام في مقابلة صحافية، كما دعا الرئيس ميقاتي الى الاستقالة إنطلاقا من أن حكومة تصريف الأعمال أفضل من حكومة لا تجتمع، وكان رفع السقف الباسيلي واضح الأهداف سواء لتوجيه الرسائل الى الحليف الأول، أو لتصفية حساب مع ميقاتي، أو لاستمالة الشارع المسيحي لتعويض بعض التراجع الحاصل على المستوى الشعبي عشية الانتخابات النيابية.
لا شك في أن الثنائي الشيعي فاجأ الجميع بقرار عودته الى المشاركة في جلسات مجلس الوزراء، والذي لم يكن ناتجا عن تسوية سياسية أو عن صفقة قضائية بل عن قناعة الثنائي بأن المقاطعة لم تعد مجدية، خصوصا أن الرئيس ميقاتي كان قطع كل الطرق على أي مقايضة تتعلق بتفعيل عمل الحكومة لقاء التدخل في ملف تحقيقات المرفأ.ل
واللافت أن أكثرية التيارات السياسية سارعت الى الترحيب بهذا القرار خصوصا بعدما إنعكس إيجابا على الأسواق المالية وساهم بانخفاض سعر صرف الدولار لنحو ثمانية آلاف ليرة، باستثناء من كان يتخذ من التعطيل منصة للهجوم على الثنائي وعلى رئيس الحكومة، حيث تحصن التيار الوطني الحر بالصمت، تاركا لنواب تكتل لبنان القوي التعاطي مع هذه الايجابية بشكل فردي وخجول عبر تصريحات مقتضبة أو من خلال بعض التلميحات.
تشير المعطيات الى أن باسيل لم ترق له هذه العودة المفاجئة التي كان بعيدا عن أجوائها، بينما يعتبر أنه كان من حقه على حزب الله إعلامه بها لتحضير نفسه للمرحلة المقبلة، خصوصا بعدما تحول تعطيل الحكومة بالنسبة له شعارا إنتخابيا جرى سحبه منه بشكل مباغت، وفي ذلك رسالة إضافية من حزب الله الى باسيل توحي بالانزعاج من مواقفه التي ضاق صدر قيادة الحزب بها، كونها بدأت تستفز بيئة المقاومة بشكل كبير.
وتقول بعض المصادر: إن البرودة التي تعاطى بها التيار البرتقالي مع قرار تفعيل عمل الحكومة كانت لعدة أسباب أبرزها، الحرص على عدم الاشادة بالثنائي الشيعي لا سيما حركة أمل للحؤول دون إستفزاز شارعه، وأخذ الوقت الكافي لدراسة هذا القرار وكيفية التعاطي معه ومحاولة ربطه بالضغط الذي مارسه التيار خلال الفترة السابقة، رفض حصر العودة الى مجلس الوزراء بمناقشة الموازنة والبحث في خطة التعافي الاقتصادي، خصوصا أن باسيل يتطلع بشكل أساسي الى التعيينات التي يعوّل عليها كثيرا في المرحلة المقبلة.
وتتوقع هذه المصادر أن يعلق تكتل لبنان القوي على خطوة الثنائي الشيعي في الاجتماع الذي من المفترض أن يُعقد اليوم برئاسة باسيل، لافتة الى أن التيار قد يذهب الى إعتبار عودة الثنائي الى الحكومة من الواجبات التي كان يفترض به القيام بها منذ فترة تجنبا للتعطيل ولما وصلت إليه البلاد، مع إعلان رفضه ربط العودة ببنديّ الموزانة وخطة التعافي، وإصراره على أن تشمل هذه العودة كل الأمور بما في ذلك التعيينات.