بين عاصفتين اقتصادية خانقة وصحّية خطرة، حلت العاصفة الطبيعية “هبة” ضيفة ثقيلة على اللبنانيين وفرضت سطوتها برداً وأمطاراً، لتزيد من معاناتهم اليومية وهم يبحثون عن وسائل التدفئة، مع تدنّ في درجات الحرارة والصقيع بشكل ملحوظ، وعجزهم عن تأمينها مع الغلاء وارتفاع الاسعار من المازوت الى الغاز والانقطاع شبه التام في التيار الكهربائي.
ومع العاصفة، برزت معاناة الأهالي في المدن والمناطق الساحلية من الإنقطاع المستمر للتيار الكهربائي من جهة، وارتفاع أسعار المازوت والغاز أي المواد التي يستخدمها أهالي تلك المناطق من أجل التدفئة في هذه الفترة.
وحلّت “هبة” ضيفاً ثقيلاً على البقاعيين، ففي حين استبشر الأهالي خيراً بالنعم التي تتساقط وتعيد معها مياه الآبار والأنهار الى مجاريها، ما ينعكس وفرةً في مياه الري خلال موسم الصيف، أثقلت كاهلهم في ظل الوضع الإقتصادي المتردي الذي يعانون منه، حيث تهافت المواطنون منذ يوم الاثنين على شراء مادة المازوت، كلٌ بحسب استطاعته، والتي وصلت عند البعض بحدود الليترات، مترافقةً مع عودة احتكار بعض أصحاب المحطات للمادة ورفع أسعارها بفارقٍ ملحوظ عن التسعيرة الرسمية للدولة. كذلك شهدت الأفران زحمةً خانقة لشراء الخبز حيث توقفت باكراً عن البيع بعد نفاد مخزونها وعدم قدرتها على تلبية الحاجات التي فاقت المتوقع، وفرغت المحال التجارية من الخبز بعدما وصل شراء البعض الى عشر ربطات تحسباً للثلوج التي من المتوقع أن تتزايد خلال منتصف الليل.
ووجدت عائلات صيداوية متعففة وفقيرة نفسها عاجزة عن مواجهة البرد القارس، تماما مثل لقمة العيش، وحذفت من جدول تدفئتها المعتادة المازوت والغاز والفحم بعد ارتفاع اسعارها ارتباطاً بالدولار الاميركي، باتت بعيدة المنال وناراً تكوي الجيوب، فحل الحطب بديلاً ولمن استطاع اليه سبيلاً.في المدن، نادراً ما ترى تنك الحطب تشتعل للتدفئة، غالبية العائلات تعتمد على «الدفايات» الكهربائية او الغاز، وبعضها على صوبيا المازوت. اليوم لم يعد مشهد تنك الحطب وهي تشتعل غريباً في صيدا القديمة، والاحياء الشعبية مثل التعمير والفيلات، وفي مواقف السيارات حيث يتحلّق السائقون حولها والعمال، وفي المنازل المنفردة والبساتين وفي المخيمات الفلسطينية، بينما تغيب قسراً عن الشقق السكنية خشية اندلاع الحرائق، اصحابها يعتمدون على التدفئة القديمة – البدائية، إحكام اقفال الابواب والشرفات، ارتداء المزيد من الثياب والجوارب، قلة الحركة والجلوس تحت الحرامات.
أما في مناطق عكار والضنية والكورة، فلجأ أكثرية الأهالي إلى مدافئ الحطب، لا سيما من استطاع منهم تجميع كميات منه قبل وصول العاصفة. بالمقابل، ثمة عائلات جعلتها العاصفة تئنّ من وطأة البرد في ظل الأزمة الإقتصادية وعدم قدرتها على تأمين الغاز أو الحطب أو المازوت من أجل التدفئة.
أما حال النازحين السوريين فلم يكن أفضل، فقد أتت العاصفة لتزيد من معاناتهم، حيث غمرت الثلوج الخيم وخصوصاً في بلدة عرسال التي يزيد ارتفاعها عن 1300 متر وتضم العدد الأكبر من المخيمات، ما أدىّ الى تصدع خيم الخشب والبلاستيك وهي غير مجهزة ومؤهلة لمثل هذه الظروف المناخية، في حين تسببت الثلوج بقطع الطرقات التي تصل المخيمات بداخل البلدة ويسلكها النازحون لشراء حاجاتهم.
في العالم الافتراضي لاقت العاصفة هبة “هبات” كثيرة ساخنة وباردة من التعليقات بين ساخر ومستاء، عبرت عن الوجع، وقالت هنادي “شو هالبرد، منيح ما في كانون ثالث”، وعلقت حلا “من فتح باب ثلاجة البراد، اقفلوه قبل ان نتجمّد”، ورفع ايمن الدعاء الى الله بأن “ينزل الدفء على كل من لا مأوى له”، وقالت هبة “اسمي على كل لسان، في نشرات الاخبار ومواقع التواصل الاجتماعي ونسوان الحي وتلاميذ المدارس والتحكم المروري، ما توقعت اوصل بالشهرة لهون”، وقالت مايا “كل واحدة اسمها هبة ما تفرجينا وجها لايام بكفينا هبة البرد”.