منذ اسابيع يحاول الايرانيون تأكيد رغبتهم بفصل قضايا المنطقة عن المفاوضات النووي من خلال ايصال رسائل بالنار في غير ساحة. ولعل الهجمات التي طالت القوات الاميركية في سوريا والعراق كانت خير دليل على ذلك.
حتى ان التصعيد اليمني تجاه الامارات، وبالرغم من ارتباطه بلحظة ميدانية حساسة، الا انه جاء ايضا بالتزامن مع تطور المفاوضات الايرانية السعودية ايجابا، وبدء مسار عودة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين.
لاسباب كثيرة ترغب ايران فصل مسارات المنطقة عن مفاوضاتها النووية، اولا لانها ترغب بأن تحقق مكسب رفع العقوبات عنها من دون اي تنازل اقليمي وثانيا لانها ترى ان يدها في الاقاليم المشتعلة هي العليا وبالتالي فهي ليست مضطرة للتنازل.
يبدو لبنان اكثر مثال فاقع على ذلك. اذ ان فصل الساحة اللبنانية عن المسارات الاقليمية وعن المفاوضات الايرانية يفيد طهران، خصوصا ان حزب الله قادر في لبنان على خوض مفاوضات بقوته الذاتية وتحقيق مكاسب وتقديم تنازلات من دون ان تضطر طهران او حلفاء الحزب في غير بلد الى التنازل ايضا.
بمعنى اخر، يمكن للحزب استخدام اوراق قوته اللبنانية من اجل التفاوض على تسوية في هذه الساحة، وهذا يشكل مكسبا اساسيا له على اعتباره الطرف الاقوى، فما هي مصلحته ان يضع نفسه ضمن باقة من الملفات ليقايض تفوقه في لبنان بتنازل في العراق على سبيل المثال؟
من هنا يأتي تسريب حزب الله لمعلومة تقول ان الاميركيين حاولوا الاتصال به وفتح مسار للتواصل المباشر معه لكنه رفض، ما يوحي بأن الحزب قادر على التحرك ضمن هوامش واسعة في لبنان ويمكنه التصعيد بغض النظر عن التفاوض النووي، وقد يكون التصعيد الاعلامي الاخير ضد السعودية يخدم هذه النظرية.
قد تساهم التسويات الاقليمية التي بدأت تلوح في الافق في اراحة الساحة اللبنانية، لكن يبدو ان هناك تقاطع بين القوى الاقليمية والدولية على اعتبار لبنان ساحة مستقلة، فالاميركيين لا يمكنهم التعاطي مع لبنان بمعزل عن الاعتبار الاسرائيلي وبالتالي فإن اي تسوية تعقدها واشنطن في الاقليم لن تشمل حتما حزب الله، وهذا ينطبق ايضا على السعوديين الذين لا يرغبون في فتح اي نقاش ودي مع الضاحية بالتوازي مع حوارهم مع طهران.
اذا ستبقى الساحة اللبنانية في المرحلة المقبلة ساحة للكباش الداخلي والاقليمي بانتظار تسوية تنطلق من واقع ونفوذ وقوة هذه القوى داخلها، من دون ان تتأثر بشكل مباشر او ميكانيكي بالتطورات الايجابية في الاقليم…