للاسراع في اقرار المساعدات الاجتماعية واقرار خطة تعاف اقتصادي

21 يناير 2022
للاسراع في اقرار المساعدات الاجتماعية واقرار خطة تعاف اقتصادي

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

 
“عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصت به الزهراء ذلك الرجل، عندما جاء إليها قائلا: “يا ابنة رسول الله، هل ترك رسول الله شيئا عندك تطرفينيه (تتحفيني به)؟”، فقالت: “يا جارية، هاتي تلك الحريرة”، والمقصود بها قطعة من الحرير كان يكتب عليها.. فطلبتها فلم تجدها، فقالت لها الزهراء: “ويحك، اطلبيها، فإنها تعدل عندي حسنا وحسينا”. فطلبتها، فإذا هي قد قمتها في قمامتها، ففتحتها للرجل، وكان فيها: “ليس من المؤمنين من لم يأمن جاره بوائقه (شره)، من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليسكت. إن الله يحب الخير الحليم المتعفف، ويبغض الفاحش الضنين” (شديد البخل).
 
لقد أظهرت الزهراء أهمية ما ورد في هذا الحديث وعظمته، عندما قالت إنه يعدل عندها حسنا وحسينا، مع ما لهما من الشأن والموقع عندها. وهذا الحديث حدد الصفات التي تميز المؤمن من غيره، فالمؤمن هو من يأمن جاره من شره ولا يؤذيه، وهو إن نطق لا ينطق إلا خيرا.. ومن يتصف بكثير البذل والعطاء وواسع الصدر لا يتسرع في ردود الفعل عند الغضب، والعفيف النفس هو الذي لا يبيع كرامته وعزته مقابل شهوة أو مال أو موقع”.
 
إننا أحوج ما نكون إلى استحضار هذه المعاني، لنصحح صورة المؤمن فينا، ولنبني من خلالها المجتمع المؤمن الذي يريده الله ودعا إليه رسوله وبلغته لنا الزهراء، وبذلك نصبح أكثر وعيا ومسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات”.وقال: “البداية من الوضع المعيشي والحياتي، حيث يستمر التأزم على هذا الصعيد، بفعل استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية والدواء وكلفة الاستشفاء والنقل والكهرباء ومتطلبات التدفئة. ورغم انخفاض سعر الدولار في السوق السوداء، فإن أسعار السلع لا تزال على حالها، فالمشهد الذي كنا نراه في المتاجر حين كانت تبدل الأسعار صعودا مع كل ارتفاع جديد لسعر صرف الدولار افتقدناه عند الانخفاض. وهذا ما يدعو إلى تحرك أكثر فاعلية من قبل أجهزة وزارة الاقتصاد والبلديات لمراقبة الأسعار والتدقيق فيها وملاحقة جادة للمحتكرين والمتلاعبين بلقمة عيش اللبنانيين ومتطلبات حياتهم”.
 
اضاف: “وهنا نشدد أن لا تقف هذه الإجراءات عند صغار التجار كما هو الحال، بل يتعداه ذلك إلى كبارهم ومن يتحكمون بسوق المواد الغذائية والدواء والمحروقات. لكن يبقى الأساس في تحسين الوضع المعيشي والحياتي ومنع الأزمات الناتجة منه، هو الحفاظ على انخفاض سعر صرف الدولار، وهذا لن يتم إلا بإقرار خطة تعاف اقتصادي، حتى لا يكون هذا الانخفاض آنيا كما هو الحال ولفترة وجيزة أملاه تدخل سياسي على هذا الخط. وهنا من حق اللبنانيين أن يتساءلوا ما دام المصرف المركزي قادرا على التدخل لإيقاف سعر صرف الدولار إلى ما وصل إليه، لماذا لم يتدخل قبل ذلك، أم أن الحسابات السياسية هي التي تتحكم بسعر صرف الدولار”.
 
وتابع: “ونبقى على هذا الصعيد، لنطل على المعاناة التي تحدث بفعل أزمة الصقيع وتداعياتها والتي تضاف إلى سلسلة الأزمات التي يعاني منها اللبنانيون، لندعو إلى تضافر الجهود من الداخل والخارج للمساعدة على تأمين سبل  التدفئة لمن يحتاج إليها، وهم كثر في هذه الأيام لا سيما كبار السن ومن هم في المناطق الجبلية. وهنا نقدر كل الجهود التي بذلت والتي تبذل على هذا الصعيد ونأمل أن تتوسع نظرا إلى حجم الحاجة وحجم الأعباء لتأمينها”.
 
وعلى الصعيد السياسي، قال العلامة فضل الله: “نرحب بعودة مجلس الوزراء إلى الالتئام، والذي كنا ننتظره مع كل اللبنانيين بفارغ الصبر، لمعرفتنا بمدى الحاجة إلى وجود حكومة تدير أمور البلد وتعالج الأزمات التي يكتوي منها اللبنانيون. ونحن نأمل أن تقوم الحكومة بالدور المطلوب منها والذي ينبغي أن تعتبره من أولوياتها وهو بالإسراع في إقرار المساعدات الاجتماعية والمعيشية التي وعد اللبنانيون بها، وأن لا تألو جهدا لفتح كل الأبواب المتاحة لها لإخراج البلد من الانهيار والتردي الذي وصل إليه، لا أن  تضيف عليهم أعباء جديدة لا قدرة لهم على تحملها. في الوقت نفسه، ندعو القوى السياسية المتمثلة في هذه الحكومة والراعية لها إلى أن تسهل عملها وأن تؤمن التضامن المطلوب داخلها في هذه المرحلة، وأن لا تكون محلا لصراعاتها وخلافاتها أو موقعا لتصفية الحسابات”.
 
وتابع: “أما على صعيد الخطاب الداخلي، فإننا نجدد دعوتنا للكف عن الخطاب المتوتر والمستفز أو الخارج عن اللياقات أو القيم الأخلاقية والذي يزيد من شحن النفوس ومن التوتر ويهدد استقرار البلد وعلاقة اللبنانيين ببعضهم ببعض، في وقت هم أحوج ما يكونوا فيه إلى تعزيز أواصر الوحدة فيما بينهم، سواء أكان الهدف من ذلك انتخابيا أو لأي سبب آخر. فلا يمكن أن نبني وطننا أو أن نواجه صعوبات المرحلة وتحدياتها بمثل هذا الترهل  الداخلي. إن من حق كل فريق أن يعبر عن رأيه ويدافع عن قناعاته وخياراته، ولكن دائما بالصورة التي يريدها الله عندما قال: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم} {وجادلهم بالتي هي أحسن}”.
 
اما على صعيد فلسطين، قال فضل الله: “لا يزال العدو الصهيوني يمارس سياسته العدوانية بحق الشعب الفلسطيني، وهذه المرة في حي الشيخ جراح في القدس حيث هدم البيوت وشرد العائلات، فيما يتواصل تكثيف الزحف الاستيطاني وتتواصل هجمات المستوطنين على المسجد الأقصى، ما يدعو إلى موقف عربي وإسلامي ضاغط لمواجهة هذه الغطرسة الصهيونية، التي تستفيد من التطبيع مع هذا العدو بحيث يزيده طغيانا وجرأة على استهداف الشعب الفلسطيني الذي لا يكل وبكل الوسائل عن مواجهة الاعتداءات”.
 
وختم: “وأخيرا، نأمل أن تؤدي تداعيات ما جرى أخيرا في اليمن والتصعيد الخطير الذي وصل إليه أن لا يزيد الأمور تأزما وحدة، بل أن يفتح الباب لحلول توقف نزيف الدم الجاري، وأن يتأكد معها الجميع أن ليس بالقوة تعالج أزمات اليمن ومشاكله بل بالحوار الذي يأخذ بالاعتبار احترام خيارات الشعب اليمني وقراره الحر، وفي الوقت نفسه حسن الجوار مع محيطه”.