“بدكن دولتكن تكسع أيدا وتحمل كيس وتدور تشحد. الدولة يللي ما بقيما شعب منّا دولة”. هذا الكلام نقتبسه بتصرف من كلام الشيخ خاطر( وليم حسواني) في مسرحية الأخوين رحباني “أيام فخر الدين”، لا لنبرر ما في مشروع الموازنة العامة لسنة 2022، التي سيبدأ مجلس الوزراء مناقشتها بعد غد الأثنين، من رسوم وضرائب، بل لنشير إلى أن الدولة بمفهومها العام مقبلة على الإفلاس إن لم تستوفِ الحدّ الأدنى من الرسوم. فإذا لم تفرض بعض الرسوم والضرائب على غير الفئات الشعبية فإن المساعدات الخارجية لن تكفي حتى للمساعات الإنمائية والتطويرية، التي يحدّدها صندوق النقد الدولي من ضمن خطة متكاملة تشمل قطاعات عدّة، وأهمها قطاع الكهرباء وتحسين واردات الدولة وفق منهجية علمية حديثة لتطوير عمل مؤسسات الدولة. ولكن هذه المساعدات لا تشمل رواتب الموظفين، التي يُفترض أن تتماشى مع ما ستعتمده الحكومة من خلال مشروع الموازنة من إحتساب لسعر الدولار، والمقدّر بعشرين ألف ليرة كحدّ وسطي، الأمر الذي سيرفع من قيمة الإعتمادات في مختلف الوزارات، التي كانت قائمة على اساس سعر صرف الدولار 1500 ألف ليرة.
وفي حديثه إلى جريدة “نداء الوطن” أكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حرصه على ألاّ تطال الضرائب التي ترد في الموازنة الطبقات الشعبية، التي هي في حاجة ماسّة إلى من يساعدها ويقدّم لها الخدمات الإجتماعية. وهذا ما سيقرّه مجلس الوزراء في جلسته يوم الأثنين والمدرجة على جدول أعماله مشاريع مراسيم تلحظ التخفيف قدر الإمكان عن كاهل المواطن الرازح تحت ضغط الهمّ المعيشي، وبما تسمح به مالية الدولة.
فإذا لم يرد في مشروع الموازنة بعض الضرائب، التي بدأ بعض “الغيارى” رشقها “بحجارة إنتخابية”، فإن مؤسسات الدولة آيلة حتمًا إلى الإنهيار الكلّي، خصوصًا أن بعض القطاعات المفروضة عليها رسوم وضرائب مباشرة لا تزال قادرة على تحمّل ما يُفرض عليها من أعباء إلى أن تعبر هذه الأزمة بأقل أضرار ممكنة، على رغم ما تعانيه شريحة واسعة من اللبنانيين من ضائقة إقتصادية ومعيشية.
وفي نظرة أولية على مشروع الموازنة، التي وزّعت على الوزراء لقراءاتها في “الويك أند” قبل المباشرة بمناقشتها الأثنين وطيلة ايام الأسبوع وقبل إحالتها على مجلس النواب، يتبّين أن ما فيها من بنود جاء على وقع ما تفرضه الأزمة المالية التي تعيشها البلاد من تحدّيات. وقد يكون إقرار هذه الموازنة من أهمّ ما يمكن أن يدرج على خانة إنجازات حكومة “معًا للإنقاذ”، على رغم ما أعترضها من معوقات داخلية، وفي طليعتها تعطيل عملها مدة ثلاثة اشهر تقريبًا، مع أن عمرها التقديري من حيث المبدأ قصير نسبيًا قياسًا إلى حجم الآمال المعلقة عليها، وما ينتظره منها اللبنانيون من إنجازات، قد يأتي الإستحقاق الإنتخابي في طليعتها، فضلًا عن تحقيق تقدّم في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي.
قد يقول البعض، وهم كثيرون ممن يتربصون بالحكومة عند كل منعطف ومفصل، أن لا نفقات استثمارية في هذه الموازنة، حيث تخلو من أي انفاق اجتماعي أو صحي مع تقليص اعتمادات الجامعة اللبنانية ووزارة الصحة مثلًا، ولكن فات هؤلاء، أن الظروف التي فرضت على واضعي الموازنة هي ظروف غير إعتيادية وغير طبيعية، لذلك فإن التنظير والتحليل وكثرة الإعتراضات إنما تأتي من ضمن مخطّط معروف الأهداف والغايات، ويمكن إختصارها بما يندرج في سياق “التعويم السياسي والتصويب الانتخابي”بعد سلسلة إخفاقات لم تعد خافية على أحد.
المصدر:
لبنان 24