كتبت نوال نصر في “نداء الوطن” أكثر ما يتوافق مع حالِنا اليوم ما قاله محمد البرادعي، الدبلوماسي المصري الحائز على جائزة نوبل للسلام، ذات يوم «أن الديموقراطية ليست قهوة سريعة الذوبان»… فها نحن اليوم، في لبنان الكسيح المتلاشي، المتفلت من ديموقراطيات الأرض، من دون قهوة تعبئ الرأس. ها نحن، نفقد، مع كل ما نفقد ونفتقد إليه في هذه الأيام، القهوة التي هي كالحبّ، كالهدوء، كالكتاب، كالتأمل، كالتغلغل في النفس وفي الذكريات. قهوتُنا ما عادت «قهوة» وما عاد بقدرةِ الكثيرين إرتشافها والشعور بالإنشراح. فهل تغيرت القهوة أم تغيرنا نحن؟
قديماً قيل «من يسكر لا يعدّ أقداح». وما كان ما عاد يصحّ اليوم. فلكل ركوة ألف حساب وحساب. «نُلقّم» ركوتنا على مهل ونحن نغوص في رتابة هذه الأيام وعللها وحساباتها التي اختلفت كثيراً في عامين. نعم، رفاهية اللبنانيين مع القهوة انتهت، والضيف بات ثقيلاً. استيراد البن انخفض في الآونة الأخيرة كثيراً ووصل في العام 2020 الى 19 طناً بعدما كان في العام 2019، 33 طناً. والأنكى من كل ذلك، أن مذاق البن اختلف. فهل هناك غش أيضا في البن الذي نرتشفه أم أننا لم نعد نعرف طعم أفواهنا بعد كل ما أصابنا؟
نعم، هناك أيضاً وأيضاً «غش» في صناعة أصناف كثيرة من القهوة. نتفاجأ؟ طبعاً لا، فنحن في بلاد نشرب فيها المياه العذبة بنكهة المجارير، ونتناول الخضار المروية أيضا بمياه الصرف الصحي، فهل سيؤثر فينا بعد بذر الكتان المطحون مع البن؟
مصانع البن الكبيرة تُفضّل «إغلاق الموضوع» فماذا عن الصغيرة والمتوسطة منها؟ هل تملك معلومات كافية ووافية عن الموضوع؟ غسان نفاع أحد أصحاب بن أحمد نفاع يفهم في البنّ وأصله وفصله ويقول «حبات البنّ أنواع، لكل واحدة مذاقها وسعرها، وهناك مطاحن تطحن البن الهندي الرخيص ومطاحن أخرى تستخدم البن البرازيلي باب أول».كيف نعرف إذاً ماذا نشرب؟ بالنكهة؟ بالطعم واللون؟ يجزم نفاع بصعوبة ذلك.
يتحدث «صنّاع» البن عن ارتفاع أسعاره عالمياً لا في لبنان وحده. محمد محيي الدين يقول «نحن نشتري البن بالشوالات، والبن البرازيلي هو الأطيب سواء أكان من النوعية أ أو ب أو س. ومن يحب البن المرّ أنصحه بالحبة الكولومبية وهناك البن العدني أيضا والأندونيسي والهندي والفنزويلي. ويمكن تمييز الحبة البرازيلية من شكلها فهي تكون «مبلطحة» أكثر من سواها. وهناك أربعة أو خمسة تجار يستوردون والبقية يشترون منهم. يضيف: طن البن الذي كنت أشتريه قبل عام بسعر 1700 دولار أصبح اليوم 4900 دولار لأن إنتاج البن تقلص كثيراً عالمياً بعدما ضرب الجفاف حقول البن في البرازيل وتدنى الإنتاج هناك من 52 مليون شوال الى 35 مليوناً. لهذا زاد الطلب وحين يزيد الطلب ويتراجع العرض ترتفع الأسعار».
معلومات كثيرة قد تُعجب محبي القهوة وقد تستفزهم «فالأسعار الى ارتفاع» على ما يبدو بعد وبعد. في كل حال، «اللبنانيون، بحسب محي الدين، حين يسمعون أن سعر البن سيرتفع يهرعون للشراء وهذه ظاهرة» يضيف: «اللبنانيون أبناء البقاع الأوسط يحبون القهوة الشقراء الخفيفة، أما أولاد بعلبك فيحبون أكثر القهوة السوداء المرّة وهذا ما يفضله أيضا البيارتة. وهنا يلفت الى أن اللبنانيين، بغالبيتهم، باتوا يفضلون شراء البن الشديد التحميص، والشديد السواد، لأنهم يضعون منه في الركوة ملاعق أقل من سواه. إنها وسيلة إقتصادية أدركها البعض وقد يستفيد منها من لم يدركها حتى الآن. أمر آخر يسأل عنه «ذوّاقة القهوة»: لماذا هناك مصانع بنّ كبيرة تبيع «ماركات متعددة»؟ من «بيت أبيهم» الجواب: «تكون هناك شحنة بن «باب رابع أو خامس فيأتون بها وكي لا «يسيئوا» الى سمعة النوع الذي يشتهرون به ويروجون إعلانياً له ويبيعونه باسمٍ آخر.أخيراً، من اشترى أيام الدعم «باكيتات» بن ليوفّر بها في هذه الأيام العجاف عليه أن ينتبه «فالبن له صلاحية» حتى ولو كان «فاكيوم» أما البن الأخضر فيبقى بدون طحن بين ثلاث الى اربع سنوات أما إذا حُمّص وطُحن فكل يوم يتغيّر طعمه قليلا. ويبقى لكم الخيار على أمل ألا يكون فنجان قهوتكم ملغوماً بحمص أو بقمح أو بـ «عجوات» التمر.