كتب جورج شاهين في” الجمهورية”:العودة الى مقاربة خطوة الحريري الأخيرة تفرض قراءة جديدة للتطورات والانعكاسات المحتملة لها على اكثر من ساحة. فقرار الحريري لا يعنيه ولا يمسّه شخصياً وخصوصاً بالنسبة الى موقعه البيروتي فحسب، لا بل فإنّ شمولية قراره على مساحة الترشيحات العائدة لتيار “المستقبل” عمّت معظم الدوائر الانتخابية في لبنان، قياساً على خريطة انتشار أكبر كتلة نيابية سنّية عرفها البلد، وشكّلت استمراراً لوجودها منذ ان دشّنها والده الرئيس الراحل رفيق الحريري في انتخابات العام 2000، عندما أقفل لائحة بيروت بمعادلة 19/19 مقفلاً بيوتات سياسية كبرى، وقد ورثها نجله سعد بعد دورة الانتخابات للعام 2005 وحتى العام 2018.
على هذه الخلفيات، تتجّه القراءات لموقف الحريري الذي ظهر أنّه بلا حلفاء، وتوقّع التداعيات التي لم تظهر بعد على كثير من الساحات والدوائر النيابية التي لم تستوعب بعد ما حصل. فكل ما سبق الخطوة من توقعات لم تكن قابلة للتصديق. فقد شكّك كثر بصدق ما تسرّب من روايات وتسريبات عدّ بعضها كأنّها “من الأفلام”، قبل ان تثبت نيات الرجل صدق ما ذهب إليه من خيارات أقفلت الطرق وحرقت المراكب وجمّدت الخيارات الأخرى، مستودعاً لبنان.
أما وقد كُتب ما قد كُتب، وقد قال الحريري ما قاله ولم يعد يخضع لأي نقاش، فإنّ الأوساط السياسية والحزبية بدأت باستقصاء المعلومات والأجواء التي دفعته الى هذه الخطوة، وسط عدد من السيناريوهات من مختلف الأصناف، الواقعية منها، كما قرأها القريبون القلائل منه وممن اقتنع بوجهة نظره، وتلك الهمايونية التي عبّر عنها البعض، سواء من باب السخرية – وهي ضئيلة جداً- لمجرد انّ من عبّر عنها ما زال مجهولاً يخشى المواجهة المباشرة تجاه ما حصل.
ويعتقد من يفهم هذه النظريات ويمكنه ترجمتها، أنّها جاءت على خلفية تحميل الحريري سلبيات خطوته، بما يمكن ان يرفع المسؤولية عنه لمجرد انّه كان سبباً قاد الى ما حصل، خصوصاً انه خاض حرباً معلنة وغير معلنة لا هوادة فيها، مستهدفاً الرجل، بعدما استدرجه الى اتفاقيات وصفقات وتسويات خاضها مرغماً، على خلفية إبعاد البلاد عن الفتنة السنّية ـ الشيعية كما قال، او تلك التي أجرى فيها عملية ربط نزاع مع النظام السوري و”حزب الله” على اقتناع منه أنّها مرحلة مؤقتة لا بدّ من ان تمرّ قبل ان يكتشف انّها تحولت مساراً طويلاً لم يرحمه احد فيها، لا صديق استفاد من غطائه ولا حليف ابتزه ولا خصم أراد خنقه لإنهائه بكل ما يملكه من سلطة وقدرات فاقته وقدرات حلفائه.
وانطلاقاً من هذه الحقائق التي لا يرقى إليها أي شك، يمكن فهم ما يجري اليوم على الساحة السياسية والانتخابية تحديداً، من ترددات للخطوة الحريرية، وهي ستتوزع كما “القنبلة العنقودية”، بين مستهتر بما حصل، مستخفاً بما يمكن ان تقود إليه على مستوى شريحة لبنانية واسعة، وآخر يرغب في إخفاء خوفه مما حصل، بعدما كان يمنن النفس بحلف ينجزه في بعض الدوائر المختلطة، يعطيه شيئاً ما زال مفقوداً، وآخر كان يسعى ليوفر حاصلاً انتخابياً او الكسر الأعلى لحاصل ثانٍ. من دون تجاهل وجود من خاب ظنه مما حصل ويخشى انقلاباً في الوسط السنّي قد يطيح كل ما أنجزه الحريري نفسه من خلال تهدئته واستيعاب ردّات فعله، مراهناً على الضوابط التي رسمها وكرّسها في اكثر من منطقة ومناسبة، بغية لجم بعض مظاهر التعصّب والفلتان الذي بات محتملاً، بعدما تمّ وأد كثير منها في مهدها، من دون القدرة على خنقها نهائياً فبقي شيء منها كالجمر تحت الرماد في هذه المنطقة او الشارع الحساس في موقعه الجغرافي او الانتخابي.وفي هذا المجال، لا يمكن لأي صاحب عقل او منطق سوى التعبير عن القلق مما يمكن ان تتجّه اليه الساحة التي كان يملؤها تيار”المستقبل” ويديرها بماكينة انتخابية محترفة تستند إلى تمويل وكوادر كفوءة لها خبرتها على الأرض وفي المفاتيح الانتخابية التي فقد بعضها فاعليته، ولكن لمصلحة أخرى قد يجري تجديدها،