كتب نقولا ناصيف في” الاخبار”: مذ قرر الحريري الابن إقفال البيت السياسي لعائلته، انتقلت المرجعية السنّية للفور الى دار الفتوى. ما قاله دريان على مسمع ميقاتي والرئيس فؤاد السنيورة بعد صلاة الجمعة، أرسل إشارة صريحة الى أن صاحب الدار أراد استعادة المرجعية ما إن أوحى اعتزال الحريري بأن الطائفة باتت بلا قائد أو زعيم. قال دريان بامتعاض: “إذا ظنّ أحد أن السنّة رزق سائب يعلّم الناس الحرام، فهو مخطئ أياً يكن. لن نسمح لأحد بالتعامل مع السنّة على أنهم رزق سائب، ولسنا رزقاً سائباً”.
دلّت العبارة المكثفة، لكن المقتضبة، على مَن تتوجه إليهم بعدما “فاعوا” ما إن جهر الحريري باعتزاله وترك البلاد: أولهم بهاء الحريري الذي قفز كي يرث شقيقه ويوحي بمقدرته على قيادة الحريرية السياسية ومشروع الأب في إحدى أصعب لحظات ضعف شقيقه الأصغر وإنهاك قدره. أما ثاني الموجّهة إليهم الأصابع، فهو رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي بات يواجه يوماً بعد آخر تصعيداً سنّياً متشدداً منبثقاً من شارع الحريري الابن ضده، لا يخفي الكراهية ومشاعر البغض والرغبة في الانتقام.
غضب المفتي يضاهيه غضب الرئيس السابق للحكومة في ما أُحيط علماً به، في الساعات اللاحقة لاعتزاله. من طريق جهاز أمني لدولة عربية كبرى تسعى الى الاضطلاع بدور دائم حيال السنّة اللبنانيين، تسلّم الحريري شريطاً صوتياً مسرّباً وردت فيه محادثة لجعجع مع مجموعة حزبية لديه، يناقشها في خروج الحريري من المعادلة السياسية، ويستخدم ألفاظاً اكثر ما تعبّر عن ارتياحه للتخلص منه. يضيف جعجع في شريط التسجيل: “نحن نعرف كيف سنأتي بجماعته إلينا، ولدينا وسائلنا”. وأضاف: “أعدكم بأنني سآتي بكل واحد من جماعته إلى عندي… سينسونه بعد أيام”.
المفارقة أن الحريري البكر وجعجع يلتقيان على محاولة خطف اللحظة السياسية، فإذا هما يقعان في الخطأ الجسيم. كانا بطلَي أول خطأ جسيم رافق 4 تشرين الثاني 2017، عندما احتجز الرئيس السابق للحكومة في الرياض. الأول قفز كي يخلفه في زعامة البيت والتيار فرفضته العائلة، والثاني شجع للفور على قبول استقالة الحكومة التي أدلى بها الحريري من هناك. كلاهما أظهرا يومذاك اهتماماً بالتخلص منه. أما ثاني خطإهما الجسيم فهو قفزهما معاً أخيراً، مصادفة أو بالتزامن المتعمّد، كي يرثا تركته السياسية.
ما يعني المرجعيتين الدينية والسياسية الحاليتين في الطائفة، دريان وميقاتي، عدم السماح بوضع اليد على مقاعد الطائفة في مجلس النواب. لا تزال ماثلة تجربة انتخابات 1992. لم تُبقِ مقاطعة الأحزاب المسيحية الرئيسية حينذاك مقاعد الطائفة شاغرة، بل حلّ في معظمها رجال سوريا وحلفاؤها. الرزق غير السائب الذي تحدّث عنه المفتي يقضي بعدم الاستيلاء على مقاعدها. هو المحظور الأساسي المتفاهم عليه بأن لا يحدث أي خرق خطير يصعب استيعابه أو تحمّله، كأن يضع حزب الله وقوى 8 آذار يدهم على أكثر من الحصة السنّية التي حازوها في انتخابات 2018، وكانت عشرة نواب. قبل الحريري عزف عن الترشح الرئيس تمام سلام، وبات في حكم المحسوم عدم ترشح السنيورة، بينما لم يفصح رئيس الحكومة بعد عن ترشحه أو اللحاق بشركائه في نادي الرؤساء السابقين للحكومة. ما ليس محظوراً هو توقّع موجة مرشحين سنّة يتهافتون على خوض الانتخابات.