7 أيامٍ مرّت على خطاب الرئيس سعد الحريري “المفصلي” الذي أعلن فيه تعليق عمله بالحياة السياسيّة، في خطوة أربكت إلى حد كبير مختلف الأطراف الفاعلة في البلد.
فعلياً، كان الأسبوع الماضي حافلاً بعملية “ضبضبة” تداعيات قرار الحريري بسرعة، وتدارك الموقف الذي خلط أوراقاً كثيرة وساهم بتأجيل الحديث حول استحقاقاتٍ مفصليّة إلى وقتٍ لاحق. وبشكل أو بآخر، ساهم قرار الحريري بتركيز الأنظار أكثر على ملف الانتخابات النيابية، خصوصاً أنّ ما أقدم عليه رئيس تيار “المستقبل”، الإثنين الماضي، كان كفيلاً بإرساء حالة ضياعٍ انتخابية وشعبيّة. وهنا، فإنّ البحث بأي استحقاقات أخرى بعيدة عن ملف الانتخابات النيابية يعني إضاعة للبوصلة وتشتيتاً للتركيز على مهمّة صعبة قد تغيّر الكثير من التوازنات وتفتحُ الباب أمام دخول وجوهٍ جديدة إلى الندوة البرلمانية.
وسط هذا المشهد، ومع انهماك الحكومة بدراسة الموازنة، ومع انتظارِ لبنان بوادر إيجابية من الخليج عقب تسليمه الرّد على الورقة الكويتية، برزت قبل يومين معلومات عن أنّ “حزب الله” نصح رئيس التيار “الوطني الحر” النائب جبران باسيل بالطلب من القيادة السورية إقناع رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجيّة بالتحالف معه انتخابياً ودعم ترشحه لرئاسة الجمهوريّة.
من دون أي منازع، فإنّ هذا الكلام الذي لم تؤكده أو تنفيه أي فئة مذكورة ضمنه، أعاد طرح معركة رئاسة الجمهورية إلى الواجهة وذلك إلى جانب معركة الانتخابات النيابية التي لم تبدأ فعلياً بعد.
في الإطار الظاهري، قد يكون الحديثُ عن ملف انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في تشرين الأول المقبل، مقدّمة لصورة التغييرات التي قد تطرأ على المشهد اللبناني، وإشارة إلى أن معركة الرئاسة الأولى هي عاملٌ لا يغيب أبداً عن الإستحقاق النيابي، إذ أن النتيجة بعده كفيلة بتحديد هوية الرئيس المقبل بعد عون.
في الحقيقة، فإن ما أشيعَ من معلومات مؤخراً بشأن باسيل و”حزب الله”، إنّما يتعارضُ ضمنياً مع كلام الأول خلال الفترة الأخيرة عن أنه لا حديث الآن عن معركة رئاسة الجمهوريّة. كذلك، فإن البحث بتلكَ المعركة الآن إنّما يعتبرُ تعارضاً مع توجهات باسيل التي تشير إلى أنه طالما كان عون رئيساً فإنه لا حديث عن رئاسة أو بديل.
مع هذا، فإنّ مصادر سياسيّة متابعة ترى إن اليوم، وأكثر من وقتٍ مضى، بات الحديثُ عن انتخابات رئاسة الجمهورية أساسياً بالنسبة لباسيل لسبب واحد، وهو أن هذه المعركة ستكون نتيجة للانتخابات النيابية، وأن أي استبعادٍ لهذا الملف من أي طرف إنما يعني إسقاطاً لورقة معركة الرئاسة تماماً.
وإنطلاقاً من ذلك، فإن باسيل يُراهن على تحالفات قوية تضمنُ كتلاً نيابية تؤازره في معركته الرئاسية، والرهان هنا يكمن على الصف المسيحي الذي يشهدُ انقساماً كبيراً، وإن صحّت المعلومات عن نصيحة الحزب لباسيل بشأن فرنجية، فإن هذا الأمر يعني أن التوجهات بشأن الرئاسة باتت تُرسم من الآن، وفي حال وافق فرنجية على ما يريده باسيل، فإن الجبهة التي تخوضها الأطراف المناوئة لهما ستكون قد مُنيت بهزيمة كبيرة قبل انطلاق معركة الرئاسة.
ماذا عن “حزب الله”؟
حتى الآن، ما زال “حزب الله” يسعى لتعزيز التقارب بين باسيل وفرنجية، فالاتصالات على هذا الصعيد لم تنقطع، والأهم هو أن الاتجاه يكمن نحو تسريع وتيرة التقارب والالتقاء خصوصاً مع الهجمة الشرسة التي تواجهها قوى “محور الممانعة”.
في غضون ذلك، تقول مصادر مقرّبة من “حزب الله” لـ”لبنان24″ إنّ “ما يُحكى عن نصيحة الحزب لباسيل بشأن فرنجية هو أمرٌ غير دقيق”، مشيرة إلى أنّ “الحزب لم ولن يناقش موضوع الرئاسة قبل الانتخابات النيابية”، وأضافت: “الحزب غير ملتزم بأي إسم من الأسماء، ونحنُ نتعاطى مع كل حليفٍ بشكل منفصل ولا شأن لنا في الخصومة بينهما، لكننا نسعى للتوفيق وتأجيل أي أمور خلافية للبحث فيها بعد الانتخابات التي تعتبرُ أولوية أساسية”.
إذاً، على أساس العنوان العريض الذي يريده “حزب الله”، يُمكن أن ترتسم ملامح تقاربٍ جديد لخوضِ معركة جديدة وسط تقارب أكبر بين باسيل وفرنجية، وإن صحّ ذلك فإن هذا الأمر سيكون مقدّمة لاصطفاف جديد وقد يحسم معركة الرئاسة باكراً ما يُجنب البلاد فراغاً محتملاً.