نقولها ونكرّرها للمرة الألف إن المغتربين المنتشرين على مساحة الكرة الأرضية ليسوا فقط “بقرة حلوب” نلجأ إليهم وقت الحاجة وننسى وجودهم عندما لا يعود لنا معهم مصلحة آنية أو ظرفية. إنهم مواطنون بالإنتماء ربما أكثر من بعض المقيمين، ولهم الحقّ في أن يشاركوا، وبفعالية، في الحياة السياسية لوطنهم الأمّ، وأن يختاروا النواب الذين يرون فيهم الصفات التي تؤّهلهم لكي يكونوا أمناء على الوكالة الممنوحة لهم من قِبل الشعب، مقيمين ومغتربين، وهم على القدر نفسه من الحقوق والواجبات، التي تشمل الجميع.
فقلب المغتربين على وطنهم تمامًا كحال الكثيرين من اللبنانيين، الذين يريدون أن يخرج وطنهم من أزماته اليوم قبل الغد، وهم كما هؤلاء يريدون أن تأتي الإنتخابات المقبلة بقليل من بشائر التغيير كخطوة لا بدّ منها في مسيرة التغيير الطويلة، والتي تفرض على التغييرين العمل يوميًا من أجل تحقيق الغايات التي يسعون إليها، وعدم الإكتفاء بتحركات موسمية خجولة.
وقد يكون للمغتربين المتحررين من ضغوطات كثيرة، معيشية وإقتصادية وسياسية، دور فاعل في الدفع نحو تحقيق ما قد يعجز عن تحقيقه بعض المقيمين لوحدهم، بإعتبار أن نظرتهم إلى الأمور تكون عادة مجرّدة من الغايات الشخصية، خصوصًا أن هؤلاء المغتربين، سواء أكانوا يعيشون في دول الخليج العربي أو في أفريقيا أو في دول أوروبية أو في الأميركيتين أو في كندا أو في أوستراليا، قد خبروا تجارب جديدة في ممارسة الديمقراطية بأبهى وجوهها، وهم يعرفون مسبقًا كيف يمكن أن تكون عليه المعالجات الممكنة لخروج لبنان واللبنانيين مما هم عالقون به، وولكي يترجموا ما ينادون ويطالبون به في صناديق الإقتراع لتأتي النتائج، وإن بالحدّ الأدنى، متجانسة مع تطلعاتهم ورؤاهم المستقبلية، لكي يُبنى على أساسها الشيء الكثير للإنطلاق من مكان ما في ورشة الإصلاح الحقيقية بكل جدّية ومسؤولية.
فإذا كان صحيحًا ما يخطّ له بعض الذين يتربصون بالاستحقاق الانتخابي المقبل لقطع الطريق أمام أي مشروع تغييري يهزّ ركائز “الأكثريات”، خصوصًا أن بعضًا من منظومتها قد أصبح على يقين من أنّ النتائج التي ستفرزها صناديق الاقتراع لن تصب في مصلحتها، فإن الأمور لن تكون كما يريد هذا البعض. فأي قرار يمكن أن يتخذ بالعمل على بلورة الحجة القانونية لإرجاء الاستحقاق في أيار سيواجه من قبل الجميع، في الداخل وفي الخارج.
لا يخفى على أحد أن ما يحاول البعض القيام به من خلال تغيير وجهة الاقتراع الاغترابي كمدخل لـ “تطيير” الانتخابات، سيلقى إعتراضًا واسعًا داخل مجلس النواب، وحتى في الشارع. فإعادة إحياء مسألة الدائرة 16 لتصويت المغتربين عبر تقديم اقتراح قانون معجل مكرر يرمي إلى إلغاء المادة الثانية من تعديلات قانون الانتخاب التي علقت العمل بهذه الدائرة لن يُكتب لها النجاح، لأن لا أحد قادر على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، حتى “التيار الوطني الحر”، ومعه “حزب الله” بعدما يتقنّوا أن استطلاعات الرأي بيّنت أنّ ما نسبته 80% من الصوت الاغترابي سيصبّ في صناديق الاقتراع لصالح مرشحي قوى المعارضة من الأحزاب وقوى المجتمع المدني، ما يعني حكماً خسارة الأكثرية الراهنة لأكثريتها في المجلس المنتخب الجديد في حال الإبقاء على تصويت المغتربين على مستوى مقاعد المجلس الـ128، ولذلك فإنّ المصلحة المشتركة بين “التيار” و”الحزب” تقتضي إعادة حصر صوت الاغتراب بالمقاعد القارية الستة، ضمن إطار ما يُعرف بالدائرة الـ16، للحد من حجم الخسارة الانتخابية ومنع إحداث أي تغيير جذري في تركيبة الأكثرية النيابية.
فإذا نجحت هذه المحاولات بعد إقناع من يجب إقناعه في مركزية القرار المجلسي فإن أول خطوة ستكون بمقاطعة واسعة من قبل المغتربين، الذين يرفضون رفضًا قاطعًا تهميشهم ومصادرة قرارهم بطرق ملتوية وغير قانونية، على أن تترافق هذه المقاطعة مع حملات ديبلوماسية تهدف إلى الضغط على العواصم ذات التأثير المباشر على القرارات التي لها علاقة بالوضع في لبنان.