منذ اعلان الرئيس سعد الحريري تعليق العمل السياسي وعدم خوض الانتخابات النيابية المُقبلة، والأنظار تتجه نحو رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط وحول ما اذا كان سيظهّر نفسه باعتباره الخاسر الاكبر من غياب الحريري ام انه سيتخطى عزوف الاخير عملياً؟
وإذ أعلن جنبلاط صراحةً استمراره في معركته السياسية والانتخابية، فإن تصريحه الذي جاء مع اول ظهور اعلامي مباشرة بعد خطاب الحريري يوحي بأنه تخطّى مرحلة الحيرة وبدأ بترتيب الارضية السياسية لخطوات تجعله عملياً خارج الدائرة المتشظية من قرار تعليق العمل السياسي لـ “تيار المستقبل”.في الواقع، وبعيدا عما يريد بيك المختارة تظهيره، فإن جنبلاط تكبّد خسارة سياسية من غياب الحريري، لا سيما وان الرجل يبدو حتى اليوم عاجزاً عن إيجاد بديل وازن يملأ الفراغ “المستقبلي”، حيث أن الصوت السّنّي قد ضاع منه في ثلاثة دوائر؛ الاولى بيروت الثانية حيث بات شبه مستحيل أن يؤمن مرشح “التقدمي الاشتراكي” فيها الحاصل الانتخابي في ظل ابتعاد “تيار المستقبل” الذي لطالما بنى الاشتراكي تحالفه معه، وما يتبعه من تراجع في التصويت لدى قواعده الشعبية.
الدائرة الثانية هي دائرة عاليه والشوف التي خسرت لائحة الاشتراكي فيها ثقل كتلة من الاصوات كان يمثلها الرئيس سعد الحريري في الشارع السني وكانت تصبّ بشكل كامل في مصلحة اللائحة الاشتراكية وإن كانت تمنح صوتها التفضيلي لمرشح المستقبل، لكن انسحاب الحريري والمستقبل يعني بلا شك ان الكتلة السنية ستتشتّت أو ستحجم عن التصويت، الامر الذي سيستفيد منه خصوم “الاشتراكيين” وتحديدا قوى الثامن من آذار التي تحالفت مع التيار “الوطني الحر” في هذه الدائرة وبدأت التحضير لمعركة انتخابية طاحنة.الدائرة الثالثة هي دائرة البقاع الغربي والتي لن يكون لانسحاب “المستقبل” تأثيراً كبيراً فيها على الحزب “الاشتراكي” حيث سيستطيع وحده تأمين الحاصل الانتخابي.لكن هذه الخسائر الانتخابية لن تكون يتيمة، إذ إن الاشتراكي يدرك انه قد خسر حليفاً استراتيجياً داخل السلطة في لبنان ما قد يجعله بعد الانتخابات النيابية منعزلاً نسبياً، الامر الذي يعكس اولى هواجس جنبلاط، إذ إن ذلك سيجعله على تماس مباشر مع “حزب الله” و”الوطني الحر” وحلفائهما في قوى الثامن من آذار، رغم تمايز رئيس مجلس النواب نبيه برّي (حركة امل) المتقارب دوماً مع جنبلاط.
يحاول جنبلاط ايجاد بدائل سنية عن الحريري ولكن حتى الساعة فإن الجماعة الاسلامية، وان ملأت الفراغ الانتخابي، ليست قادرة على ملء الفراغ السياسي، الامر الذي من شأنه أن يضعف قدرة “زعيم الجبل” على المناورة السياسية الى حين اتضاح مشهد الواقع الانتخابي في الاسابيع المقبلة.