إذا كانت الحاجة هي أم الإختراع، فالحاجة نفسها يمكن تسميتها بأم الإجتهاد في بلد يجاهد، بأهله وناسه، لإلتقاط النفس، والبقاء حياً يُرزق على خارطة دول العالم.
مناسبة الحديث هو نوع من الإجتهاد العلمي الذي برز الى العلن أخيراً حول مدة صلاحية إستخدام الأدوية، مع إستفحال أزمة الدواء من نقص وفقدان وإحتكار وأسعار خيالية للبعض منها، بعد رفع الدعم التدريجي عنها، ما دفع بالمواطنين الى شراء أدويتهم على أنواعها ب”الحبة و sachet”.
واقع الدواء المرير، الذي هو أمرّ من الدواء بحد ذاته، أفضى الى توصيات غير رسمية من الجهات المعنية بالقطاع الصحي تتحدث عن إمكانية تناول دواء منتهي الصلاحية، سواء كان أقراصاً أم شراباً أو حقناً أو نقَطاً، فما مدى دقة هذه التوصية، ما هو رأي أهل الإختصاص، وقبل ذلك ما هو مفهوم ” إنتهاء الصلاحية” الملصَق على علب الأدوية؟
في الواقع، بدأت قصة ” الصلاحية” منذ ما يقارب نصف قرن تقريباً، وتحديداً في العام 1979، عندما باشرت إدارة الغذاء والدواء (Food and Drug administration) FDA بمطالبة الشركات المصنّعة للدواء بإضافة تاريخ إنتهاء الصلاحية على الملصق لضمان عمل الدواء بأمان وفعالية، ولتحديد المدة الإفتراضية للدواء الجديد.
وإنطلاقاً من هذا الواقع، بدأت الشركات المصنّعة للأدوية بإعتماد بروتوكول “مسؤوليتها عن فعالية الدواء وتأثيره من تاريخ تعبئته حتى تاريخ إنتهاء صلاحيته المثبّتة على العبوة فقط، على إعتبار أن الدواء يمكن أن يفقد من خصائصه العلاجية تدريجياً.
لنقيب صيادلة لبنان الدكتور جو سلوم رأي حاسم في هذا الإطار، إذ يعتبر أن ” فترة السماح” بإستخدام أدوية منتهية الصلاحية(expiry date) من دون إستثناء يمكن أن تمتد حتى ستة أشهر وبفعالية، ما يعني أن الدواء يبقى مستقرّاً خلال هذه الفترة أي محتفظاً بقوته وجودته، وإن كانت الفعالية تتناقص مع مرور الوقت بنسب معينة.
البروفسور جورج غانم، وهو طبيب إختصاصي في أمراض القلب وتصلب الشرايين مقيم في الولايات المتحدة الأميركية، يوافق نقيب الصيادلة سلوم رأيه حول صلاحية الدواء وفعاليته بعد إنتهاء المدة المحدّدة، لا بل يذهب أبعد من ذلك الى حد التأكيد على هذه الفعالية ” حتى إنتهاء الدواء لا الصلاحية”، مشيراً الى أن هذا الأمر يدخل ضمن بروتوكول معتمد في الولايات المتحدة الأميركية”، علماً بأن FDA سبق أن وافقت على تمديد تاريخ صلاحية الدواء عند توفّر البيانات الداعمة للتمديد والتي تقدمها الشركات المصنّعة سنداً الى إختبارات خاصة قامت بها، وذلك في إطار المساهمة بالتخفيف من نقص الأدوية.
البروفسور غانم يلفت النظر، في هذا السياق، الى أهمية ظروف تخزين الدواء لناحية درجة الحرارة والرطوبة والضوء، لأن “التخزين المثالي” يساعد على إحتفاظ الدواء بنسبة فعالية عالية تقارب 90 في المئة.
بالمحصلة، ومع تقاطع المعلومات المتوافرة بين لبنان والخارج حول هذا الموضوع الحيوي والحساس، يمكن الجزم بأن، لا الطبيب ولا الصيدلي يعطيان أو يصرفان وصفة طبية لدواء منتهي الصلاحية، لكن في الظروف غير الإعتيادية التي نمرّ بها، يمكن الركون الى المثل الشعبي القائل ” من الموجود جود”.
المصدر:
خاص لبنان 24