كشف التحرك الاخير لاتحادات النقل البري عن عمق الازمة التي يعاني منها القطاع بشكل عام، وضعف الاتحادات المعنية بتنفيذ وعودها بما تسميه “يوم الغضب”، بعدما تم ترحيل المطلب الأساس وهو إقرار خطة متكاملة للنقل البري منذ العام 2009 والى غاية اليوم، واستبداله بتحركات على مستوى “استعراض” بدون جدوى كما يصفها سائقون كُثر، فبرأيهم ما يحصل في الكواليس يضعف موقفهم، حيث لا غضب ولا شل للبلد ولا من يحزنون.
في الأساس كان الهدف من أي تحرك على الشارع يأتي تحت عنوان إقرار خطة النقل، أمّا اليوم ولسوء حظ العاملين في قطاع النقل البري فإنّ الازمة الاقتصادية الحادة التي يعاني منها البلد، حولت حقوقهم الى سلسلة مطالبة حياتية، “فأصبحنا كمن يستعطف السلطة بالمال”. هكذا يصف أحد السائقين ضعف حالهم، وهو من بين كُثر لم يعد قادراً على تسديد تكلفة “تصليحة” بسيطة في السيارة، ولكنه يعلم أنّ ما يحصل اليوم على الشارع من تحركات لن يجدي نفعاً، وعلى الرغم من ذلك يشارك فيها. هو أبو احمد السائق الخمسيني المعروف في منطقة بيروت، يتحدث لـ”لبنان 24″ عن خيبة أمل من التوصل الى نتائج مرجوة تضمن لهم بقاءهم في الصراع مع الحياة وتفاصيل يوميات مؤلمة لا يشعر بها هؤلاء في قصورهم ومكاتبهم. يروي أبو احمد قصص كثيرة عن حال السائقين، تكاد تتشابه في الشكل والمضمون، تراه يضحك ساخراً من فكرة خطة الدعم للسائقين، “الدولة منهارة”، معتبراً انّه قد يتم التوصل الى حلول بسيطة على مستوى الدعم ولكنها لن تكون سوى مساعدة عينية، هذا إن تم إقرارها.
السائق ضحية
وعلى الأرض لم يشارك كل الاتحادات في الاضراب الأخير والذي تم تعليقه الى حين المزيد من الاجتماعات والمشاورات مع مجلس الوزراء، اعتراضا من قبل هذه الاتحادات على شكل الاحتجاج، “كل ما يحصل لن يؤدي الى نتيجة طالما اننا نقفل الطريق على بعضنا، لهذا نحن شاركنا فقط بشكل رمزي في الاضراب الأخير، ونعلم انّ ثمة أمور كثيرة تحصل تحت الكواليس، أكبر بكثير مما ينقل الى الرأي العام”. هكذا يصف رئيس الاتحاد العام لنقابات السائقين وعمال النقل في لبنان مروان فياض، “ضعف” ما تقوم به قطاعات النقل البري في لبنان.
يتحدث فياض لـ”لبنان 24″ عن ضرورة “الاتفاق على مراسيم جوالة في مجلس الوزراء تضمن للسائقين حقوقهم، بدلاً من المماطلة تحت ذرائع عدم إمكانية الدولة في مساعدة السائقين، وبدلا من تحويل المطالب الى مقبرة اللجان”.
وعن سبب تأجيل التحرك وما الذي سيتغير طالما انّ لا نتائج قريبة مرجوة، يقول فياض: “بعض الاتحادات يضحكون على السائقين وكل هذه المهل التي يتم إعطاؤها ليست سوى مضيعة للوقت، ونحن نؤكد أنّ صندوق النقد الدولي غير موافق على مشروع الدعم المقدّم من الاتحادات، وهذا ما لا يتم الاعتراف به امام العلن”.
والخطة تقضي بتغطية مشروع مساعدة السائقين من خلال قرض عبر البنك الدولي بقيمة 55 مليون دولار، وهو ما يزال قيد النقاش مع الحكومة، وهو ما لا يتأمل به السائقون خيراً، لذا تعود بعض الاتحادات اليوم لترفع الصوت من اجل إعادة العمل بهيكلة جديدة لقطاع النقل البري بما يضمن حقوق السائقين على المدى البعيد، كي لا يقع السائق ضحية لتبدلات طلوع وهبوط الدولار في السوق الموازية.
وبحسب فياض، “فليتفضلوا بإقرار خطة النقل ووضع حد للمافيات العاملة في هذا القطاع، وكلنا نعرف انها محميات سياسية، وهنا تكون اول وأجدى الحلول”.
اعفاء من الميكانيك
ولا يزال السائقون ينتظرون إقرار الاتفاق المبرم في تشرين الأول من العام المنصرم مع الحكومة والذي يقضي بإعطاء السائقين بنزين مدعوم بسعر أرخص من السوق، وتخصيص مبلغ 500 ألف ليرة شهرياً لكل مركبة عمومية بدل صيانة وقطع غيار لمدة معينة، وإفادة جميع السائقين العموميين من البطاقة التمويلية، إضافة الى إعداد مشروع قانون إعفاء من رسوم الميكانيك والمعاينة الميكانيكية بنسبة 100% عن العام 2022، والتعويض على أصحاب الشاحنات التي تضررت نتيجة انفجار مرفأ بيروت.