رغم التقلّبات السياسية التي عاشها لبنان، ورغم الكثير من التحوّلات الإقليمية والاستراتيجية التي شهدتها المنطقة، شاءَ رئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط أن يتمسّك بتحالفه المتين والقوي مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي.
ففي زمن الانقسام العمودي وبروز حركتي 8 و 14 آذار عام 2005، لم يعلن جنبلاط فكّ التحالف مع برّي، حتى أن الظروف والأحداث التي شهدها لبنان بعد ذلك وتحديداً أحداث 7 أيار 2008، كانت كفيلة بزيادة التمسّك بهذا التحالف مهما كانت العقبات والاختلافات.
من دون أدنى شك، يُدرك جنبلاط تماماً أن الارتباط مع برّي أساسيّ للحفاظ على التوازنات، وهو الأمر الذي يبرزُ بقوة خلال الاستحقاقات الانتخابيّة. ففي العام 2018، انتفضَ برّي وخلفه “حزب الله” لنصرة جنبلاط في الجبل، ولولا التحرّك الذي حصل ضمن المناطق الشيعية في الشوف – عاليه، لكانت اللائحة التي دعمها “الإشتراكي” خسرَت نائبيْن بالحدّ الأدنى.
في ذلك الحين، كان جنبلاط يتحالفُ مع حزب “القوات اللبنانية” وتيار “المستقبل”، وهذا الأمرُ لم يمنع حركة “أمل” من دعم الأوّل. أمّا اليوم، فسيناريو الدعم واردٌ بشكل كبير، على الرغم من التناحر الكبير الذي حصل بين “أمل” و “القوات” إبّان أحداث الطيونة قبل أشهرٍ قليلة.
فعلياً، فإنه في المنطق السياسي اللبناني، تبقى الأولوية عند الأحزاب الأساسية هي صون أي جهة تحفظ التوازن مهما كان الاختلاف معها، وهذا الأمرُ سيطرح نفسه من جديد على السّاحة، أي أن الخلافات القائمة قد لا تمنع برّي من إعلان الدعم المطلق لجنبلاط في الجبل، وتحديداً في الشوف وإقليم الخروب، حيث توجد مناطق ذات غالبية شيعيّة.
بالنسبة لحركة “أمل”، قد لا تشكّل أحداث الطيونة والتنافر مع “القوات” أي عائقٍ في دعم جنبلاط، وذلك لاعتبارات عديدة: أولها أن الحركة لا تدعم القوات مباشرة بل تدعم مرشحي الحزب “الإشتراكي”، وبالتالي فإن أصوات الشيعة المؤيدين للحركة قد تذهب لدعم المرشحين الذين يطرحهم جنبلاط. أما الاعتبار الثاني فيتعلق بإصرار حركة “أمل” على خوض معركتها ضدّ التيار “الوطني الحر” الذي يعتبرُ خصم جنبلاط أيضاً. وعليه، فإنّ الحركة لن تُلاقي “حزب الله” في طريقٍ واحدة عندما يتعلق الأمر بدائرة الشوف – عاليه حيث الثقل الجنبلاطي، ما يعني أن أصوات الشيعة هناك ستنقسم، وستنأى حركة “أمل” عن نفسها في دعم أيّ مرشح مع لائحة يدعمها “الوطني الحر” مهما كان الثمن.
في الواقع، فإنّ الصورة الانتخابيّة هذه ستُرسي انقساماً بين “حزب الله” و”أمل”، إذ أن الأول سيكون حاسماً في المعركة التي يخوضها عبر دعم المرشحين الذين يثبتون وجوده في الشوف – عاليه. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ هذا الانقسام سيُضعف قوّة بعض المرشحين من مختلف الأطراف، ما يعني أنّ التفاوت في أعداد المقاعد التي ستحصل عليها كل لائحة، قائمٌ إلى حدّ كبير.
ضمنياً، قد لا يُمانع برّي بروز هذا الانقسام باعتبار أنه “انتخابي” ولا يطالُ التماسك الكبير بين الثنائي الشيعي، في حين أن وجهة النظر السائدة تقول أن لكل جهة حلفائها، وبالتالي فإنّ “حزب الله” غير مُلزمٍ بحلفاء “أمل” والعكسُ صحيح. وعليه، فإنّ المعركة الحالية ستخاض وفق حسابات كلّ فئة بمعزل عن التحالفات الاستراتيجية، لكن الهدف الأساس اليوم يتحدّد في حفاظ كل جهة على الأطراف التي تتفق معها، الأمر الذي يُرسي ثباتاً أساسياً للقوى السياسية المختلفة. وتوضيحاً، فإنّ برّي سيسعى للحفاظ على جنبلاط في حين أن “حزب الله” سيكرّس مكانة “الوطني الحر” مجدداً.
خلاصة القول هي أنّ برّي لن يتركَ جنبلاط في خضمّ أزمة كبرى وتبدلات جذرية، والهدف من وراء ذلك هو الحفاظ على الوجود السياسي للأخير في الجبل، إحباط مساعي “الوطني الحر” للتوسع، وضمان بقاء الحليف القديم – أي جنبلاط – وذلك بعد تعليق الرئيس سعد الحريري عمله بالحياة السياسية، إذ كان الأخير يعتبرُ من أبرز الحلفاء لبرّي في الدولة. وحتماً، فإنّ دعم بري لجنبلاط سيخلطُ أوراقاً كثيرة على صعيد الأسماء والمرشحين وعملية تقسيم الأصوات، وهو الأمر الذي سيتضحُ تباعاً عندما ينكشف المشهد الانتخابي بشكل أكبر.