كتبت هيام قصيفي في” الاخبار”: يدور نقاش سياسي حول جدوى إجراء الانتخابات النيابية. وهو نقاش لا علاقة له باتهامات توجّه إلى أحزاب ستخسر حتماً قسماً كبيراً من أصوات ناخبيها، ما يدفعها إلى المطالبة بتطيير الانتخابات خشية فوز خصمها السياسي بأصوات كاسحة. بل يتعلق بحسابات أخرى ذات أبعاد سياسية تتعلق باليوم التالي للانتخابات، ومستقبل النظام اللبناني والمكوّنات فيه في ضوء ما يُطرح من مخاطر حول الوضع الداخلي.
من مسلّمات بعض الحوارات والآراء السياسية أن حزب الله وحركة أمل سيعيدان إنتاج نفسيهما بالشخصيات نفسها، أو مع بعض التعديلات، وأن تغييرات ستُسجل في الساحة المسيحية، من دون تحقيق انتصارات كبرى تقلب موازين القوى في شكل دراماتيكي، وأن المستقلين ومرشحي المجتمع المدني سيحققون مكاسب محدودة في ضوء العثرات التي يواجهها هؤلاء وتفلّت ويأس نسبة كبيرة من ناخبي هذه القوى منذ 17 تشرين وحتى اليوم، وأن تعليق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي والانتخابي سيؤدي إلى متغيّرات في المشهد السُّنّي، لم يظهر بعد بوضوح حجمها الحقيقي. ما يعني أن المشهد العام، حتى الآن، يعطي الأفضلية لجزر نيابية في المجلس الجديد، مع طغيان الثنائي وبعض حلفائه. وهذا يعني أن الطموحات الكبيرة والرهان على «انقلاب» جذري في الانتخابات كلّ ذلك ليس واقعيّاً في ضوء سيطرة حزب الله وحلفائه على المشهد السياسي، وبعض الإشارات المقلقة، ومنها المشهد العراقي واصطدامه بالأمر الواقع وتأثيرات إيران في تشكيل الحكومة فيه بعد الانتخابات. علماً أن لبنان سبق أن مرّ بتجربة مماثلة عامَي 2005 و2009 مع فوز المعارضة حينها، لكنها ذهبت مرتين إلى تشكيل حكومة شراكة مع الأقلية الخاسرة.
من هنا، يصبح النقاش متمحوراً حول إعادة الانتخابات تصدير المشهد نفسه، علماً أن بعض الذين يصوّرون انتصاراتهم مبكراً، بدأوا الترويج لفكرة إرجاء الانتخابات لتغطية فشل بعض القوى السياسية والأحزاب في تأمين انتصار واضح. في حين أن ما يجري من حوارات لا يتعلق بهذه الأحزاب، بل بمحاولة فهم أبعاد الضغط الدولي، مع معرفة الدول بحقيقة الواقع السياسي والخشية من نسخ تجربة عامَي 2005 و2009. إضافة إلى أن فكرة إعادة إنتاج أكثرية غالبة بالمعنى السياسي وليس العددي، تعني تفويضاً لأربع سنوات جديدة للفريق الحاكم نفسه، مع ما يتركه من تأثيرات على الواقع الداخلي عشية الانتخابات الرئاسية ومستقبل النظام اللبناني. والسؤال التتمة هو: كيف يمكن التعامل مع الانتخابات في ضوء ذلك؟ هل بتفريغ الاستحقاق من مضمونه أو الذهاب إلى تعطيل التمديد والانتخابات سوياً؟ فالمقاطعة كما، ذهبت إليه المقاطعة عام 1992، لا يمكن أن تتكرر بالغاية والنتيجة ذاتيْهما. علماً أن قوى سياسية – بما فيها بعض من في صلب المعارضة – لا تزال ترفض مجرد التفكير بهذا الخيار، وتراهن على إحداث نقلة نوعية بدليل فورة الترشيحات والتحالفات والخصومات، حتى يكاد يظهر الاستحقاق وكأنه حدّ فاصل بين مرحلتين مصيريتين، من دون أخذ أي وقائع أخرى في الاعتبار. وإذا كان مطلوباً تعديل في النظام، فأيّهما أفضل: الذهاب إليه في ظل فراغ شامل يبدأ بالنيابة وينتهي بالرئاسة، أم تكريس التغيير عبر الآليات الدستورية بما في ذلك مجلس منتخب ديموقراطياً؟ تلك أسئلة مفتوحة للنقاش من الآن وحتى تنضج بعض التوجّهات الإقليمية.