نظّم حماية الأملاك العمومية وتحديدها القرار رقم 144/س الصادر في 10 حزيران سنة 1925، ووضع القرار رقم 320 الصادر في 26 أيار سنة 1926 الأحكام المتعلقة بالمحافظة على مياه الأملاك العمومية واستعمالها، إلّا أنّ هذه القرارات لا تزال في إجازة مفتوحة ليتمّ التعامل مع الأملاك العمومية كملك خاص يمكن التّصرف به، إعارته وإساءة استغلاله، على الرغم من أن المادة الاولى من القرار رقم 144/س قد نصت على أن الأملاك العمومية لا تباع ولا تكتسب ملكيّتها بمرور الزمن وهي تشمل بموجب المادة الثانية من القرار نفسه مجاري المياه، وكامل ضفاف مجاري المياه أي القطعة من الأرض الكائنة على طول مجاريها، والبحريات والغدران والبحيرات ضمن حدودها المعينة بموجب مستوى أعلى ما تصل إليه المياه قبل فيضانها، ويضاف إليها على كلّ ضفة للمرور قدرها عشرة أمتار عرضاً ابتداءً من هذه الحدود.
أمّا في ما يتعلق بصلاحية منح رخصة الإشغال على مياه الأملاك العمومية، فإن المرجع الصالح بحسب المادة 16 من القرار 144/س هو مجلس الوزراء، قبل أن تتعاقب وزارة الطاقة والمياه على منح هذه التراخيص وببدلات إشغال متهالكة خلافاً للقانون، ولأسباب لا يمكن فهمها ولا تفهمها إلا في إطار المنفعة، علماً أن صلاحيتها تنحصر بدراسة طلبات الرخص والامتيازات على مياه الأملاك العمومية ورفع مطالعتها إلى المرجع الصالح للبتّ أي مجلس الوزراء. ومنذ العام 2019 ومع بروز الانهيار المالي بدأت الحكومات المتعاقبة تلمّح إلى اعتبار بيع أو استثمار أملاك الدولة والمؤسسات العامة والبلديات بوصفه أحد الحلول لتأمين ايرادات للدولة، ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية عمّمت وزارة المالية عبر رئاسة مجلس الوزراء على سائر الوزارات والمؤسسات العامة تكليف لجان تخمين عقارية لمسح عقارات الدولة والمؤسسات العامة، بوصفه أحد الحلول لتوزيع خسائر الانهيار المالي. وضمنت بنود مشروع موازنة العام 2022 عدداً من النصوص حول إعفاءات ومهل لشاغلي الأملاك العمومية تتراوح بين الإعفاءات والمهل وفترات السماح، من خلال منح إعفاءات وتسهيلات لمن يشغلون الأملاك العامة وبينهم من يواصلون الاعتداء عليها منذ عقود. وتضمّن المقترح مواد تفتح الباب أمام انتفاع البعض من مساحات إضافية من الأملاك العامة ببدلات غير عادلة. وبدل أن يدفع إفلاس الدولة القيّمين عليها إلى وقف مختلف أشكال الهدر كنا أمام مزيد من التخلّي وإساءة الأمانة، بما يؤشّر إلى انْحيازهم لصالح الفئات التي تهيمن على موارد الدولة ولو عن طريق الاعتداء بحكم نفوذها.
وكذلك تضمنت أحكاماً تسهل تأجير أملاك الدولة الخصوصية حيث إن المقترح المقدم فتح الباب لتأجير أملاك الدولة الخصوصية لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد، بعدما كان من الممكن تأجيرها لمدة أربع سنوات كحد أقصى، وذهب أبعد من ذلك بحيث سمح بتأجير العقارات غير المبنية مع السماح بإقامة إنشاءات عليها لمدة 9 سنوات قابلة للتجديد لتصل إلى 18 سنة. ويخشى هنا أن تفتح عبارة «قابلة للتجديد» الباب أمام التجديد التلقائي ومن دون إعادة النظر في البدل.ونصّ المقترح على أن قيمة الإيجار لا يجب أن تقل عن 2% من القيمة التخمينية للعقار، في حين حدّد قانون الإيجارات القديمة بدل الإيجار بـ 4% من قيمة المأجور دون أن يطرح أي ضوابط لجهة رفع بدل الإيجار السنوي خلال مدة الإيجار على نحو يحفظ قيمته، وبخاصة في ظل مخاطر انهيار العملة الوطنية.هذا من جهة ومن جهة ثانية، لم تتضمّن الموازنة أحكاماً لرفع التعديات عن شاغلي الأملاك العامة العمومية والبحرية والنهرية.