محميّات الوكالات الحصرية تحت قبّة البرلمان والنواب أمام امتحان: مع الإحتكار أو ضدّه؟

13 فبراير 2022
محميّات الوكالات الحصرية تحت قبّة البرلمان والنواب أمام امتحان: مع الإحتكار أو ضدّه؟
نوال الأشقر

نواب الأمّة، وبعضهم يملك وكالات حصريّة، يبحثون في إلغائها ضمن قانون المنافسة، وفي ذلك تضارب بين التشريع للمصلحة العامة وحماية المصلحة الفرديّة، ومع ذلك لا مانع من النجاح في امتحان تغليب الصالح العام. أمر آخر يقف عائقًا أمام صدور قانون المنافسة بطبعةٍ إصلاحيّة، وهو تصوير الوكالات الحصريّة وكأنّها حقوق مكتسبة لطائفة معيّنة، علمًا أنّ أبناء كلّ الطوائف في لبنان يتساوون في دفع أثمان الإحتكار وغلاء الأسعار والتحكّم برقاب اللبنانيين في كلّ كبيرة وصغيرة، حتّى أنّ الرُضّع لم يسلموا من تداعيات الإحتكار، وظهر ذلك جليًّا خلال الأزمة الماليّة منذ تفجّرها عام 2019، حيث تسبّبت الوكالات الحصرية باحتكار المواد والسلع والأدوية وحليب الأطفال، إضافة إلى الحدّ من المنافسة وصولًا إلى التحكّم بالأسعار ورفعها.

قانون المنافسة هو من الإصلاحات الأساسيّة المطلوبة من المؤسسات الدولية. صال وجال طويلًا في قاعات وأروقة المجلس النيابي منذ سنوات، بطبعات واقتراحات مختلفة، إلى أنّ وصل أخيرًا إلى الهيئة العامة، بحيث أُدرج على جدول أعمال الجلسة التشريعية يومي الإثنين والثلاثاء في21 و 22 شباط الحالي، وذلك بعد دمج أربعة اقتراحات قوانين تُعنى بالمنافسة وإلغاء الإحتكار.

عدد الوكالات الحصريّة منذ عام 1999 بلغ 3330، وفق تقرير صادر عن وزارة الإقتصاد، لكن الوكالات العاملة فعليًّا هي 316 وكالة فقط، وهي الشركات التي تدفع الرسوم المتوجّبة عليها، فيما يبلغ عدد الوكالات الحصرية المشطوبة 3014 وكالة، تشطب عادةً لعدم دفعها الرسوم السنوية وعدم تجديد العقد، أو تبعاً لأحكام قضائية، استنادًا إلى ما ذكره النائب حسين الحاج حسن في مؤتمره الصحافي من مجلس النواب، نقلًا عن وزير الإقتصاد أمين سلام. بالتالي هناك الآف الوكالات الحصرية التي تعمل ولا تستوفي الشروط، وهو ما اعتبره الحاج حسن بمثابة إخبار الى التفتيش القضائي وإلى النيابة العامّة المالية والنيابة العامّة التمييزية.

أصحاب الوكالات الحصرية يحتكرون استيراد وتوزيع 2335 سلعة بحسب ما تظهره عقود الوكالات الحصرية المسجّلة لدى وزارة الاقتصاد بين عامي 2005 و2018. في السياق نشرت “الدولية للمعلومات” تقريرًا في نيسان 2021 أفادت خلاله أنّ أصحاب الوكالات الحصرية لا يزيد عددهم عن 300، وأنّ الاحتكار يستمر منذ 54 عاماً بالرغم من كلّ الأزمات التي يشهدها لبنان.

رئيس جمعيّة حماية المستهلك د. زهير برّو لفت إلى أنّ لبنان هو الدولة الوحيدة في العالم التي لا زالت تمنح حماية للوكالات الحصرية، الأمر الذي نتج عنه احتكار السوق وتحقيق أرباح طائلة لأصحابها، وبذلك أضحى لبنان أغلى دولة في المنطقة ومن بين أغلى دول العالم.

برّو في حديث لـ “لبنان 24” أشار إلى أنّ النظام الإقتصادي في لبنان ليس حرًّا سوى على الورق، أمّا فعليًّا فيسود اقتصاد احتكاري شبه كامل، بنسبة احتكارات تبلغ أكثر من 85%، معتبرًا أن لا إمكانية لتجاوز المحنة سوى بالذهاب نحو اقتصاد حر بالفعل، والخروج من السياسات القائمة “كفى نهبًا للبلد وإيصاله إلى الإنهيار الشامل”.

يُتوقع أن تشهد الجلسة النيابية نقاشات ساخنة عند الوصول إلى قانون المنافسة، خصوصًا أنّ اللجان المشتركة رحّلت الخلاف حول المادة الخامسة إلى الهيئة العامة وهي المادة المتعلّقة بحماية الدولة للوكالات الحصريّة ، إذ أنّ هناك فريقًا نيابيًا مع إلغاء هذه الوكالات وفريقًا مع حماية الوكالات الحصرية لاعتبارات عدّة، أبرزها طائفيّة. النائب سمير الجسر وبناءً على طلب اللجنة النيابية، عمل على إيجاد مخرج قانوني للمادة الخامسة، وتمّ التداول بصيغة تقضي بإلغاء الوكالات الحصرية مقابل تأمين التعويض إلى مالك الوكالة الحصرية.

ولكنّ الخلاف بقي قائمًا، بعدما اعتبر عدد من النواب أنّ تعديل المادة الخامسة أفرغ القانون من مضمونه.

بالتالي تتجه الأنظار إلى الصيغة التي سيُقرّ بها القانون. في السياق يؤكّد برّو ” أيّ قانون سيصدر دون أن ينصّ بوضوح على إلغاء الوكالات الحصرية أي إلغاء المادة الخامسة، سنطعن به أمام المجلس الدستوري. الأمر نفسه ينطبق على نسب الهيمنة، في حال أبقوا على نسبة مرتفعة تبلغ 35%، سنطعن بالقانون”.

برّو يعتبر أنّ هناك من يدفع للعودة إلى القانون الماضي، وأنّ لعبتهم مكشوفة عبر استحضار مسمار جحا لتبرير عمليات النهب، عبر تضمين القانون ثغرات من شأنها الإبقاء على صيغة تحمي الإحتكارات “وهناك ذرائع تتعلّق بحماية الوكالات الحصرية من قبل الدولة بوجه الشركات الخارجية، وهي ليست سوى حجج يستخدمونها لتكريس الحماية للوكالات الحصرية ولو بأشكال ضدّ الخارج وليس الداخل، علمًا أنّ الإحتكارات لا تستفيد من الشركات الخارجية بل تنهب الداخل.

بالتالي لبنان هو ضحية الوكالات الحصرية وليس الشركات الخارجية، وما يطرحونه كذبة كبيرة من اختراعاتهم، وينتظرون من الناس أن تصدّقهم”.

حلّت بيروت في المرتبة السابعة عالميّاً والأولى في المنطقة، من حيث مؤشّر كلفة المعيشة للعام 2022، في آخر إحصاء أصدره موقع “نامبيو” للإحصاءات حول مؤشّر كلفة المعيشة العالمي، والذي يصنّف من خلاله المدن حول العالم بحسب نتيجة المؤشّر المذكور في كلّ منها، عند مقارنته بأرقام مدينة نيويورك، إضافةً إلى نشره لإحصاءات عن 4 مؤشّراتٍ أخرى، وهي موشّر أسعار الإيجار ومؤشّر أسعار السلع ومؤشّر أسعار المطاعم ومؤشّر القدرة الشرائيّة المحليّة في تلك المدن.

المسؤول الأول عن كلفة المعيشة المرتفعة وجنون أسعار السلع هو النموذج الإحتكاري في البلد وفق مقاربة برّو ” الإقتصاد الإحتكاري لا يمكن له أن يعطي نتيجة إيجابية، بل يبقى فاسدًا وفاشلًا دومًا، ولا يراكم ثروات بل يتمّ نهبها قبل أن يعاد ضخها في الإقتصاد.

لذلك لا بدّ من إيقاف الإحتكارات وإصدار قانون يلغي حمايات الوكالات الحصرية، ويفتح الباب أمام المنافسة، من دون ذلك ستبقى السرقة والتلاعب بالأسعار. بالنسبة لنا الوكالات الحصرية واجهة الخلل الكبير في البلد وكذلك حال المصارف، الإثنان يتطلبان إعادة تدوير بالكامل”.

تصوير الوكالات الحصرية على أنّها أمر طائفي يتعلق بامتيازات طائفة معينة ليس جديدًا “النظام الطائفي هو سرطان ينهش البلد، ويبقيه في حروب أهليّة باردة وأزمات لا تنتهي” يقول برّو.

أربعة وخمسون عامًا عمر الوكالات الحصرية المحميّة من الدولة، تبعات ذلك على اللبنانيين منذ تشرين 2019، وما عانوه من احتكار للدواء والغذاء وحليب الأطفال، فضلًا عن الغلاء الفاحش، يجعل النواب في جلسة 21 شباط أمام خيارين لا ثالث لهما، الإصطفاف مع الإحتكار أو ضدّه.

المصدر لبنان 24