لا أحد يمكنه أن ينكر أن ما يعيشه اللبنانيون منذ أكثر من سنتين، وفي شكل يومي، يتخطّى المعقول والمقبول، وأن أي كلام يمكن أن يُقال للتخفيف عن كاهل جميع اللبنانيين، والتقليل من حجم معاناتهم، وإن معنويُا، سيأخذ منحىً مغايرًا، قد يقود البعض إلى تناسي القضية الأمّ، والإنصراف إلى حيث لا فائدة تُرجى من أي ردّ فعل مبرر شكلًا وليس بالمضمون.
قبل الكلام، الذي قيل بعد جلسة إقرار الموازنة العامة، والذي أثار موجة من التعليقات المبرّرة وغير المبررة في آن، لا يمكن أحد أن يختبىء وراء إصبعه، أو أن يحجب أشعة الشمس بمنخل، أو أن يخبىء الحقيقة في قمقم، أيًّا كانت الأسباب والمبررات، التي يّمكن أن تُعطى في مثل هكذا مواقف أو ظروف.
قبل جلسة الخميس، سادت إجواء حكومية حول التشدّد في رفض الموافقة على أي سلفة جديدة لشركة الكهرباء ما لم يتمّ التوافق على خطة مبرمجة لتحسين إنتاج الطاقة، ولو تطلب ذلك الكثير من التضحيات، وهذا ما كان يفعله اللبنانيون على مدى سنوات، وما تكبّدوه من خسائر إضطّروا إلى دفعها من اللحم الحّي، وهي خسائر كبيرة، سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي، من دون أن نصل إلى أي نتيجة على صعيد تحسين وضع الكهرباء، بل وصلنا إلى الأسوأ، حيث تكبدّنا ما يقارب الأربعين مليار دولار دينًا مقابل ساعتي كهرباء في اليوم الواحد، إضافة إلى ما يدفعه المواطن، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن لحمه الحيّ أيضًا، للكهرباء البديلة التي تتأمن من خلال المولدات، بعدما أصبح رهينة جشع أصحاب هذه المولدات من جهة، والسعر المتفلت للمازوت. من جهة أخرى.
ما قصده الرئيس ميقاتي بكلامه عندما قال إنه “علينا أن نتحمّل بعضنا البعض” هو أنه علينا أن نعضّ على جراحنا وأن نتحّلى بالصبر، حتى ولو كّلفنا الأمر بعض التضحيات الإضافية حتى نصل إلى نتائج ملموسة في ملف الكهرباء، الذي يجب أن يوضع على سكته الصحيحة مرّة أخيرة، وهذا ما كان يجب أن يحصل منذ اليوم الذي وُعد فيه اللبنانيون ب ٢٤ ساعة كهرباء على ٢٤. ولو تمّ هذا الأمر قبل سنوات لكنّا وفرّنا على أنفسنا مليارات الدولارات، التي ذهبت هدرًا من دون أن يكون للبنانيين ولو معمل واحد للكهرباء، ولكّنا إستغنينا عن البواخر – الوهم، والتي تخفي وراءها فضائح مالية كبيرة وصفقات مشبوهة.
فأذا كان الهدف الوصول إلى خطّة كهرباء في أقلّ من سنة، كمرحلة أولى، يمكن من خلالها الإستغناء عن “الكهرباء البديلة”، فإن مقولة ضرورة “أن نتحمّل بعضنا البعض” تدخل في إطار الإيجابيات، التي يُفترض أن تسود، خصوصًا أن النتيجة التي يمكن أن نصل إليها من خلال الإستراتيجية العلمية والموضوعية لأزمة الكهرباء بعد سنة على أبعد تقدير ستريح جميع اللبنانيين على حدّ سواء، وستتوفر لهم كهرباء 24 ساعة على 24، شرط عدم دخول طوابير خامسة باتت معروفة بالإسم والهدف على الخطّ لتعطيل أي خطّة مفيدة من شأنها إنتشال لبنان نهائيًا من العتمة مرّة نهائية.
فإذا كان هذا هو الهدف المنشود، وهو كذلك، فلا أعتقد أن لدى اللبنانيين مشكلة في أن يتحمّلوا بعضهم البعض سنة أخرى، وهم الذين تحمّلوا وصبروا سنوات طويلة. فمن شرب البحر لن يغصّ بـ”الساقية”.
فغضب الشعب، الذي تحمّل ما لم يتحمّله أي شعب آخر، له مبرراته وله أسبابه وله دوافعه. أمّا أن يتحوّل هذا الغضب، الذي يجب أن يكون مقدّسًا، إلى نوع من المهاترات والنكات غير البريئة، التي لا تتماشى مع ما يعيشه اللبنانيون من مآسٍ، فلا يعدو كونه
“فشّة خلق”. ولكن يجوز أن يرهن مستقبل لبنان ومصيره ببعض “الهوبرات” المعروف من يقف وراءها، وهل يجوز التعامل مع قضايا وطنية مصيرية بهذه الخّفة من بعض الأبواق المستفيدة من جو ما تبقّى من حرية في بلد الحرية لتنفيذ مشاريع مشبوهة لا تشبه لبنان وأبناءه؟