كتبت هيام قصيفي في” الاخبار”: قوة تعليق الرئيس سعد الحريري عمله السياسي لم تحجب الفوضى الداخلية التي أحدثها قراره بين من يتحركون لوراثته سياسياً وانتخابياً. لكن، أي عنوان لمرحلة ما بعد الحريري يمكن أن يحمله هؤلاء؟
لم يلغ رفيق الحريري الزعامات المناطقية والعائلية والعشائرية، إنما حجب ضوءها وحاول استيعابها تحت عباءته. ومع سعد الحريري استعادت بعض الفاعليات المناطقية دورها تدريجاً، بعضها متماهياً معه وبعضها من خارج النادي الأزرق وحلفائه. ومع التسويات التي عقدها أو خرج منها كان دور هذه القيادات يتقدم أو يتراجع.
اليوم، قد تجد بعض القوى السنّية الوقت مناسباً لاسترجاع التعددية التي كانت تتمتع بها قبل عقود، حين لم تكن هناك زعامة واحدة متفردة أو تختصر الزعامات الأخرى. إذ لم تلغ زعامة آل سلام زعامة آل الصلح أو زعامة آل كرامي والعكس صحيح، وظلت بيوتات سياسية تقليدية قائمة على مدى سنوات، من صيدا الى بيروت وعكار وطرابلس والمنية والضنية والبقاع.
بخلاف الثنائية الشيعية، والى حد ما «الثنائية» الدرزية، تتمتع القوى المسيحية بحيوية تعددية، ورغم سعي بعض القيادات جاهدة الى اختصارها بحزبين أو ثلاثة، إلا أنها لم تنجح في حصر الأصوات السياسية أو إقفال بيوت سياسية تقليدية أو حتى بروز أصوات سياسية جديدة. في المقلب السنّي، مما لا شك فيه أن خروج الحريري سيترك فراغاً على المستوى السياسي من الصعب تجاوزه في المدى المنظور. وفي مقابل محاولة الاستدراك المحدودة بإدارة شخصيات سنّية الأزمة المستقبلية، إلا أن الفرصة ستجعل بعض البيوت السياسية والمناطقية، ومنها ما هو قريب من المستقبل، تتسابق لتحمّل المسؤولية، بذرائع مختلفة، لاستعادة الحضور السياسي وإبراز قوتها الذاتية. وقد كان الحريري واضحاً عندما أشار الى هذه النقطة. وسيكون الطريق سالكاً لشخصيات مناطقية في القيام بدور القيادة المحلية، من دون أن تصل الطائفة السنية الى الزعامة المنشودة. قد يكون توزّع الزعامة السنية تشرذماً بالنسبة الى البعض، فيما يجد البعض الآخر فيها حالة انتعاش بعد مرحلة مليئة بالأحداث رفعت الطائفة السنية ومن ثم ضربتها. لكن حالة الفوضى الحالية تحتاج الى وقت كي تنضبط، وتظهر حقيقة ما ستؤول إليه أمور القوى السنية. لا دار الفتوى في وضعيتها الراهنة قادرة على أن تكون المرجعية وحدها، كما كانت حال البطريركية المارونية أيام البطريرك مار نصر الله بطرس صفير، ولا التدخل العربي بأدواره من السعودية الى مصر وتركيا وقطر حدد أفق اللعبة الداخلية. وبين تزعم بيروت والحالة السنية، كما فعل الرئيس الراحل ونجله المعتزل، وبين طموحات سياسية من صيدا وطرابلس والضنية وعكار والبقاع، ربما تحتاج الحالة السنية الى عنوان سياسي للمرحلة المقبلة، بعدما أقفلت أبواب المشاريع الاقتصادية والعمرانية، وأسدلت الستارة على مرحلة المظلومية والمحكمة الدولية، وشعارات سنوات 14 آذار. وإلى الآن لا يزال هذا العنوان ضائعاً.