ما العبرة من استهداف قوى الامن الداخلي؟

18 فبراير 2022
ما العبرة من استهداف قوى الامن الداخلي؟

لا يختلف إثنان في لبنان على أن ركائز الدولة المركزية القوية ثلاث: الجيش والقضاء والقطاع المالي. إلاّ أن هذا الإتفاق المبدئي في وجهات النظر نظريًا يقابله واقع مخالف ومختلف.  

ما نشهده هذه الأيام من فوضى قضائية يختلط حابلها بالنابل السياسي المطّعم بنكهة إنتخابية غير خافية، إذ باتت اللعبة مكشوفة، لأن اللاعبين الكبار لم تعد تستهويهم الالاعيب المستورة. فالقضاء أصبح وسيلة في يد من يعتقدون أنفسهم أنهم وحدهم أصحاب القرار، وأنهم وحدهم على الساحة. 
لن نذهب بعيدًا ونتهمّ الذين يستغّلون القضاء بأنهم يحاولون القضاء على القضاء، وهو في نظر كثيرين آخر حصن لا يزال يقاوم على رغم الضغوطات السياسية، بعدما نجحوا في هزّ الثقة بالقطاع المالي والمصرفي، وفشلت محاولاتهم المتكررة بزج المؤسسة العسكرية طرفًا في صراعاتهم الضيقة. 
القصة بدأت بتجميد ملف التعيينات القضائية، وتدرّجت إلى التشكيك بقرارات المحقق العدلي في تفجير مرفأ بيروت ووضع العصي في دواليب هذا التحقيق، وصولًا إلى إقحام النائبة العامة الإستئنافية القاضية غادة عون في ملفات قضائية ذات أبعاد سياسية في أكثر من قضية وصولًا إلى قضية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وإنتهاء بالإدعاء على المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان.  
هذا الإجراء رسّخ القناعة بأن القاضية عون تتحرّك وفق أجندة سياسية محدّدة سلفًا وبتغطية مباشرة من رئيس الجمهورية ميشال عون، كما إتهمّه بذلك تيار “المستقبل”، الذي وضع الأمر في “خانة  الإنتقام وتصفية بعض الحسابات السياسية”. 
ولا بدّ هنا من الإشارة إلى البيانات المتبادلة بين “بيت الوسط” عبر مكتبه الإعلامي وقصر بعبدا، والتي بلغت مستوى غير مسبوق في التخاطب السياسي، ما يؤشّر إلى أن الخلاف السياسي بين التيارين اللذين يقفان على ضفتين متناقضتين قد بلغ أوجه، وهو آخذ في التصعيد، خصوصًا أن ثمة محاولات كثيرة من قبل “التيار الوطني الحر” وغيره من القوى السياسية لـ”إحتواء” جمهور تيار “المستقبل” بعد غيابه عن الساحة الإنتخابية، وهذا ما زاد من حساسية البيئة الحاضنة للتيار الأزرق. وقد جاء التطاول على اللواء عثمان ليزيد من حدّة التوتر السياسي، مع العلم أن دوائر القصر الجمهوري لا تخفي حقيقة إعتبارها أن المدير العام لقوى الأمن الداخلي هو جزء لا يتجزأ من التركيبة التنظيمية لـ “الحريرية السياسية”، خصوصًا بعدما فشل رئيس الجمهورية في إقالته من منصبه في السنتين الأخيرتين. 
فمشهد اليومين الأخيرين وما قرأناه بوضوح في بيانات تيار “المستقبل”، وما بين سطوره الواضحة أيضًا، يشير بما لا لبس فيه أن الرئيس الحريري، وإن أعلن تعليق عمله السياسي، وإن قرر عدم الترشّح شخصيًا وعلى مستوى تياره للإنتخابات النيابية، قرر البقاء على الساحة الوطنية أكثر من أي وقت مضى، وذلك بعدما تحرّر من كل القيود التي كانت تفرضها عليه بعض الظروف الطارئة، وهو على إستعداد للذهاب إلى أبعد مما كانت تسمح له بعض الإعتبارات السابقة. من هنا نرى أن البيانات التي تصدر عن تياره قد أصبحت أكثر جرأة وأكثر تقدّمًا في التعبير عن القناعات التي لم تتغير، مع توقع إزدياد حدّة التراشق الإعلامي بين تيار “المستقبل” و”التيار الوطني الحر”، خصوصًا بعدما إقتنع الأخير أن جمهور “المستقبل” لن يستطيع أحد تجيير أصواته لمصلحته الإنتخابية.  
إلى ذلك تساءل بعض المصادر عمّا إذا كانت  الخطوة السياسية الجديدة المغّلفة بقناع قضائي تهدف إلى دفع المؤسسات الأمنية إلى التشرذم والتمذهب، من خلال التصويب على زرع الخلاف بين جهازين أمنيين يُفترض أن يكون ولاؤهم الأول والأخير للوطن قبل أي مرجعية أخرى. 
ولأن الشيء بالشيء يُذكر نسأل: ما الفائدة من استهداف قوى الامن الداخلي بشخص مديرها العام والتصويب عليها ، في وقت حققت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي،أكثر من إنجاز أمني مؤخرا ، وبالأخص في ما يتعلق بالأمن الإستباقي وكشفه أكثر من شبكة تهريب وإحباط أكثر من عملية تهريب حبّات الكبتاغون إلى عدد من الدول العربية، أم أن هذه الشبكات هي بالنسبة إلى البعض خطّ أحمر، ولذلك كان قرار بالإدّعاء على عثمان تمهيدًا لإقصائه؟