كتب جورج شاهين في ” الجمهورية”: الى جانب ارتفاع نسبة الناخبين الذين انتقلوا إلى ضفة “المساحة الرمادية” مما كان مقدّراً ما بين 38 و42% حسب إحدى الدراسات السابقة، هناك أخرى أجرتها المؤسسة عينها، تتحدث عن ارتفاع هذه النسبة الى ما يتجاوز 53% من اللبنانيين المتردّدين، والأخطر فيها انّ نسبة المعتكفين فاقت 18% منهم في بعض الدوائر الانتخابية، وهي ليست محصورة بـ “دوائر الأطراف” كما كانت تصنّف.
وانطلاقاً من هذه المؤشرات الانتخابية، فإنّ بعض المراقبين المعنيين بالعملية الانتخابية توقفوا باهتمام امام ما يمكن تسميته توجّهات “الشارع السنّي”، ما لم تظهر قيادة جامعة جديدة لقراءة المشهد المتوقع في عدد من الدوائر الكبرى التي كان يديرها تيار”المستقبل” بطريقة متكاملة، في محاولة لاستشراف ما ستعكسه من مشهد سياسي يلي إقفال صناديق الاقتراع ويمسّ مباشرة بالخريطة النيابية، التي عبّر البعض عن خشيته مما ستكون عليه بغياب مكوّن أساسي وقوة مماثلة لتلك التي كان يمثلها “التيار الأزرق”. وعلى هذه الخلفية، فقد أجرى هؤلاء جردة بالقوى والأطراف التي تسعى الى وراثته وفق تصنيف جديد يحمل مؤشرات لافتة.
وإن دخل هؤلاء في تفاصيل التصنيف الجديد، فبعد استثناء موقف “الثنائي الشيعي” من فقدان القوة السنّية المقابلة وما تسبّب به “غياب” تيار”المستقبل” من إرباك محدود، فقد وضع بعض القوى السياسية والحزبية التي كانت في مراحل سابقة من حلفائه، في طريقة متدرجة. وتقدّمت هؤلاء القوى التي يمكن ان تخسر بعض مقاعدها بعد فقدان الرافعة “المستقبلية” في دوائر مختلطة. وهي خريطة تشير الى دائرة بيروت الثانية والشوف – عاليه والبقاع الغربي ـ راشيا، بالنسبة الى “الحزب التقدمي الإشتراكي”، وزحلة وعكار بالنسبة الى “القوات اللبنانية” كما في دائرة بيروت الاولى والبترون ـ الكورة ـ بشري وزغرتا وعكار بالنسبة الى “التيار الوطني الحر”. ولا تغفل هذه المعادلة المخاطر الموجودة في دوائر اخرى ولو بنحو أقل نسبة، حيث تشكّل القوة السنّية الناخبة من المجنسين ثقلاً لا يمكن تجاوزه.
واللافت في هذا التصنيف، انّه على الرغم من حجم اللغط الحاصل من ضمن الساحة السنّية بين “المستقبل” وحركة “سوى للبنان”، فقد وضع التصنيف هذه الحركة التي يقودها بهاء رفيق الحريري في مرتبة أبعدتها مرحلياً عن التجاذبات على الساحة السنّية. فالحركة توفّر الدعم لمرشحين في دوائر متعددة، وتقدّمهم في وقت قريب على مساحة تتجاوز هذه الساحة، لتدخل الى ساحات مشتركة بعيداً من الفرز المذهبي للوائح. ومن بين المدعومين هناك مرشحون من هم من مختلف الطوائف ومن القوى التغييرية، على أساس برامج سياسية وإنمائية تتجاوز الساحة السنّية المحدودة الى مساحة وطنية أوسع. فما تطرحه الحركة وراعيها على مستوى المواجهة مع السلاح غير الشرعي، ومكافحة الفساد ومنظومتها، والتأكيد على حياد لبنان وإحياء مبدأ “النأي بالنفس” ووقف التدخّلات في شؤون دول الخليج، أبعدها عن المجال المذهبي السنّي لتناولها عناوين أبعد من اهتماماته وتستهوي الناخبين في دوائر متعدّدة على مساحة لبنان.
إلّا انّ التصنيف عبّر عن قلق مبرّر من تنامي هذه القوة الناشئة على الساحة السّنية، بحديثها عمّن يبحث يومياً ومنذ فترة، لرصد علاقتها مع الدول الخليجية، للتأكّد من حجم دعمها بطريقة من الطرق إلى جانب قوى أخرى، لتبنّي حركة من يسمّونه “الحريري الثاني”. ولا غرابة في أن يكبر هذا القلق كلما اطلّع على التغطية الواسعة لمواقف بهاء الحريري في الصحف الخليجية وخصوصاً السعودية منها. ففي ذلك ما يؤشر الى احتمالات تحاكي ما هو منتظر بعد انكفاء “المستقبل” وابتعاده عن الحياة السياسية في لبنان.