مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المُقبلة والتي يبدو أن إجراءها بات أمراً محسوماً لا جدال فيه وسط استبعاد القوى السياسية لأي أحداث طارئة تدفع نحو إرجائها، إذ إن التوترات الامنية وما يرافقها من فوضى مفتعلة أحياناً او عبثية في احيان اخرى، لن تُعيق اجراء الانتخابات لا سيّما مع الاجماع الدولي على ضرورة حصولها في موعدها المحدد، تُطرح اسئلة كثيرة حول رهان بعض القوى السياسية على نتائج الانتخابات باعتبارها ستحقق لها فوزاً ساحقاً وتقدّماً كبيرا.
في مقدّمة هذه القوى، حزب “القوات اللبنانية” الذي يراهن منذ حراك 17 تشرين وانسحابه من الحكومة على أن الانتخابات البرلمانية ستؤدي الى جعله القوة المسيحية الكبرى متفوقاً بذلك على “التيار الوطني الحر”، ما يعني انه سيصبح الكتلة الاكثر تأثيراً في المجلس النيابي المقبل.من هنا كان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع يطالب باستمرار بانتخابات نيابية مبكرة باعتبارها ستشكّل له ولحزبه قفزة نوعية في الحياة السياسية،
ولكن بالرغم من التحدّي الذي تظهره “القوات” في مجمل خطاباتها، الا انها تواجه مشاكل جدية على الصعيد الانتخابي قد تحول دون بلوغها غايتها. هذه المشاكل ليست تقنية بحتة اي انها غير مرتبطة بالعمليات الحسابية والارقام واعداد الناخبين الذين تبدو “القوات” قادرة على استقطابهم في مختلف الدوائر، وانما مشاكل سياسية متعلقة بالبنية الاجتماعية التي تحتضنها، او بمعنى اوضح البيئة المسيحية.احدى هذه المشاكل تكمن في التحالفات، إذ ان “القوات اللبنانية” تعتمد بشكل أساسي على نوعين من التحالفات؛ احدهما داخل المجتمع المسيحي وآخر خارجه ويرتكز على القوى السنية وتحديدا “تيار المستقبل” الذي مكّن “القوات” في مرحلة ماضية من الفوز انتخابياً، غير ان هذا التحالف خسرته “القوات” اليوم الامر الذي من شأنه أن يقلل من قدرتها على المناورة في بعض الدوائر المشتركة مثل زحلة وعكار وحتى في الاشرفية حيث كانت تحظى ببعض الاصوات السنية التابعة للمستقبل وكذلك في بعلبك الهرمل.
المشكلة الثانية التي تعاني منها القوات هي مشكلة البيئة المسيحية المحايدة، اذ انها استطاعت خلال الاستحقاقات الماضية استقطاب البيئة المسيحية التي كانت محايدة الى حدّ ما، لكنها فضّلت التصويت لصالح “القوات” على حساب “الوطني الحر” او “الكتائب” او غيرها من القوى، إذ كانت ترى ان خطاب “القوات” الاقرب لها، لكن ثورة 17 تشرين التي جذبت الشارع المسيحي قلّبت الرأي العام الذي اعتبر “القوات اللبنانية” طرفاً من اطراف السلطة وجزءاً من المنظومة الحاكمة، لذلك فإن جزءاً كبيراً من المستقلين المسيحيين قد يذهب باتجاه لوائح الحراك المدني.ازمة “القوات” الثالثة هي عدم قدرتها على التغلغل في مختلف مجتمعات الطوائف الاخرى، اذ كانت تعتبر ان خياراتها السياسية ستسمح لها خلال فترة قصيرة وقبل موعد الانتخابات النيابية بالتمدّد داخل بعض البيئات وتحديدا البيئة السنية، وهذا ما لم تنجح به لاسباب كثيرة اهمها خطاب “المستقبل” الذي حوّل شريحة كبيرة من “السنة” الى خصوم “للقوات اللبنانية” ما من شأنه أن يشكل نكبة حقيقية لها.اذاً يبدو ان توقعات “القوات” للاستحقاق البرلماني لن تأتي “على البكلة” بالرغم من انها من اقل الاحزاب تضرراً وخسارة من حراك 17 تشرين.. ولصناديق الاقتراع الكلمة الفصل!