ترسيم الحدود إلى ما بعد الإتفاق النووي

21 فبراير 2022
ترسيم الحدود إلى ما بعد الإتفاق النووي

لقد بات شبه مؤكد، إن لم نقل من المؤكد، أن لبنان الرسمي يتجّه بخطى ثابتة نحو بلورة موقف موحّد من ترسيم الحدود مع اسرائيل عبر مفاوضاته غير المباشرة برعاية اممية ووساطة أميركية، وذلك بعدما تقرّر، ولو في شكل غير معلن بعد، أن الدولة اللبنانية تريد في النهاية أن تأكل عنبًا، وأن يبقى” قتل الناطور” هدفًا إستراتيجيًا من ضمن الصراع الوجودي مع العدو الاسرائيلي، إلاّ أن ما تنتظره من الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين يبقى رهن التطورات في الإقليم التي لها علاقة وطيدة بملف الترسيم، وبالأخصّ ما يمكن أن تنتج عنه المفاوضات الأميركية – الإيرانية في ملف الإتفاق النووي.  

ويقول بعض العارفين إن إشارة الإنطلاق في مفاوضات الناقورة غير المباشرة لن تعلن قبل أن تتوضح الصورة في فيينا، أي أن لا ترسيم للحدود البحرية قبل التوصل إلى تفاهمات واضحة بين واشنطن وطهران، وتحديد الدور الإيراني في المنطقة، مع الأخذ في الإعتبار مصالح دول الخليج العربي وفي طليعتها المملكة العربية السعودية، مع ما يمكن أن ينعكس إيجابًا على وضعية لبنان الداخلية، وهو يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى أي بصيص أمل يوحي بإمكانية خروجه من أزماته الإقتصادية والمالية.  
المواكبون لحركة الوسيط الأميركي يحدّدون الإطار العام لتصّوره وأفكاره في النقاط التالية:  
أولًا، من غير المرغوب فيه أن يكون هناك أي دور للأمم المتحدة في عملية الترسيم حتى لو كان هامشيًا.  
ثانيا، على لبنان أن يجد مستقبلًا المخرج القانوني لفسخ العقود القديمة مع كل من  “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية و”نوفاتيك” الروسية، وبالتالي إخراج هذه الشركات نهائيا من البلوكات الجنوبية 8 و9 و10، أي المحاذية للحدود بين لبنان واسرائيل. 
ثالثًا، تكليف شركات دولية جديدة بالإستكشاف ثم التنقيب، حيث يأمل الأميركيون أن يكونوا جزءًا منها، فضلًا عن بعض الدول العربية، ومن بينها دولة الإمارات العربية المتحدة.  
يضاف إلى هذه النقاط الثلاث ما يُعرف عن إتباع الأميركيين “سياسة العصا والجزرة”، حيث يلوحّون باللجوء إلى “سلاح العقوبات” في حال عدم موافقة لبنان على  الخط البحري المتعّرج الذي يضمن حقل “قانا” للبنان مقابل حقل “كاريش” لإسرائيل.  
في المقابل، فإن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ينتظر من هوكشتاين ّ إقتراحات رسمية في “صيغة خطية” ليبنى على الشيء مقتضاه، على أن يعرض ذلك في  محادثات جدّية بينه وكل من رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي، بعيدًا عن أي موقف آحادي، خصوصًا  أن “الرسالة الرئاسية” الى الأمم المتحدة أدخلت لبنان في متاهات كان في غنىً عنها، خصوصًا أنه عاد وألغى مضمونها بتصريح صحافي حول الخط 29، ولهذا يحتاج الأمر الى مزيد من التشاور. 
ولا بد في هذا المجال من التوقّف عند موقف “حزب الله” الذي يكتنفه “غموض بنّاء”، وقد حدده في نقطتين: مرونة في موضوع الحدود والترسيم والوقوف خلف الموقف اللبناني الرسمي، مقابل تشدّده في موضوع التطبيع مع إسرائيل في مرحلة ما بعد الترسيم. 
فبعد كلام الرئيس عون، صدر كلام مكّمل لوزير الخارجية عبدالله  بوحبيب الذي كشف عن إتصالات أجراها مع مسؤولين في “حزب الله” قبل زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين وسمع منهم أن ملف الحدود البحرية هو شأن الحكومة وأن الحزب لا يعترف بوجود حدود مع إسرائيل، ولذلك فإنه لن يدعم ولن يعارض أي قرار تتخذه الحكومة في هذا الصدد. 
الموقف اللبناني الذي يمكن وصفه حتى الآن بأنه متقدم ومتطور يقابله جو داخل الكيان الإسرائيلي مفاده أن الطريق بات اليوم ممهدًا لتوقيع إتفاق قريب مع لبنان بوساطة من الولايات المتحدة الأميركية، وأن الإتفاق المزمع توقيعه من شأنه تحقيق أرباح للبلدين من مخزونات الغاز الموجودة في المنطقة المتنازع عليها. وهذا ما سبق أن أشار إليه الموفد الأميركي في سلسلة لقاءاته الصحافية .