رغم “الشكوك” بإجراء الانتخابات في موعدها المفترض في الخامس عشر من أيار المقبل، التي لا يزال البعض مصرًّا على “تعميمها” لغايةٍ في نفس يعقوب، ورغم “السيناريوهات” التي “يحيط” بها البعض الآخر المرحلة الفاصلة عن هذا التاريخ، يبدو أنّ البلاد دخلت أخيرًا “زمن” الانتخابات، التي باتت تتحكّم بالشاردة والواردة في المشهد الداخلي.
هكذا، ورغم أنّ “عدّاد” الترشيحات لا يزال خجولاً نسبيًا، بانتظار “بلورة” بعض التحالفات، و”حسم” بعض المواقف، بات “صوت” الانتخابات يتصدّر الاهتمامات الداخلية، حيث لا حديث “يتقدّم” على حديث الاستحقاق “الموعود”، ولو تفاوتت المقاربات والاستراتيجيات، لا بين المتنافسين المفترضين فحسب، ولكن حتى بين الحلفاء، بل بين رفاق الصفّ الواحد.
وإذا كان من المتوقّع أن تتصاعد “الحماوة الانتخابية” في القادم من الأيام، على وقع “الحملات” التي ستطلقها الأحزاب تدريجيًا، فإنّ “حزب الله” بدا كمن يفتتح “البازار” باكرًا، مع توالي تصريحات قياديّيه ومسؤوليه، التي كان أبرزها في الساعات الأخيرة كلام رئيس مجلسه السياسي السيد إبراهيم أمين السيد، الذي وصل لحدّ وصف الانتخابات بـ”حرب تموز سياسيّة”.
ما المقصود؟
جاء كلام السيد إبراهيم أمين السيد خلال احتفال نظّمه “حزب الله” في حسينية بلدة العين في البقاع الشمالي، حيث قال إنّ “الأميركي والإسرائيلي والأوروبي يريدون السلاح والمقاومة والمجتمع، ليأتوا بمجلس نيابي يستطيع انتخاب رئيس للجمهورية يشكل حكومة تستطيع أن تفعل ما يريدون”، متحدّثًا عن “مال انتخابي بدأ يُنفَق، وبحسب سعر كلّ شخص”.
لعلّ كلام رئيس المجلس السياسي في “حزب الله” الصريح هذا يختصر في مكانٍ ما، المقاربة التي يستند إليها “الحزب” في خوضه للمعركة الانتخابية، والتي قد يدلّ عليها شعار حملته الانتخابية “باقون نحمي ونبني”، الذي يغلّب هوية “المقاومة”، وأهمية الحفاظ عليها، على طبيعة الأزمات المتفاقمة في الداخل، وخصوصًا على المستويين المالي والاقتصادي، وما تركته من تبعات وتداعيات على مختلف الأحزاب النافذة منذ السابع عشر من تشرين.
بهذا المعنى، يسعى “حزب الله”، من خلال حملته الانتخابية، إلى “تكريس” منطق أنّ المقاومة “مُستهدَفة”، وأنّ الانتخابات المقبلة هي بمثابة “استفتاء” على المشروع المقاوم، في ظلّ “المؤامرات والمخططات” التي تستهدفها، والتي تريد النيل منها، ولعلّه سيستفيد في هذا السياق من إعادة إحياء النقاش في الآونة الأخيرة حول “السلاح”، ليثبّت وجهة نظره، والقول إنّ هناك من يسعى عبر الانتخابات إلى “تغيير وجه لبنان”، انسجامًا مع ما يحصل في المنطقة.
معركة “تعبئة”
استنادًا إلى ما تقدّم، لا يمكن أن يكون “عبثيًا” على الإطلاق تعبير “حرب تموز سياسية” الذي استخدمه السيد إبراهيم أمين السيد في توصيف المعركة الانتخابية المقبلة، فهو أراد أن يقول إنّ “ما لم يستطع العدو انتزاعه” في حرب تموز على المستوى العسكري، يطمح للحصول عليه “سلميًا وعبر صناديق الاقتراع”، في انتخابات 2022، وهنا “مكمن الخطر”.
قد لا يكون هذا الخطاب مُستغرَبًا بالنسبة إلى كثيرين، بل هو متوقَّع وفق ما يقول العارفون، إذ إنّ الحزب لطالما اعتمد الخطاب الوجداني المرتبط بالمقاومة في معاركه الانتخابيّة، حتى في “أيام العزّ”، فكيف بالحريّ اليوم، في ظلّ أداء سياسيّ طبع العامين الماضيين، أدّى إلى ابتعاد الكثير من المؤيّدين، أو بالحدّ الأدنى “المتردّدين” عنه، وهو سيسعى لاستعادتهم واستردادهم من خلال ما يمكن وصفه بـ”معركة التعبئة والاستقطاب” التي أطلقها بصورة أو بأخرى.
ومع أنّ “حزب الله” مطمئنّ إلى حدّ بعيد، إلى واقعه الشعبيّ، وفق ما يؤكّد الدائرون في فلكه، إضافة إلى الخبراء الانتخابيّين، الذين يلفتون إلى أنّ النتائج التي ستفرزها الانتخابات ستكون على الأرجح “مطابقة” للانتخابات السابقة، على مستوى المقاعد والدوائر التي تُحسَب من “حصّته”، فإنّ مجرّد اعتماده هذا الخطاب قد يدلّ على “نوع” المعارك التي تنتظر اللبنانيين في الأسابيع القليلة المقبلة، والتي قد تلجأ معها بعض الأحزاب إلى أساليب لا تخطر على البال.
قد لا يكون كلام السيد إبراهيم أمين السيد جديدًا. فقبله، وُصِفت الانتخابات بـ”الاستفتاء”، وبعده سيُقال إنّ من لا يصوّت لمرشّحي هذا الحزب أو ذاك، يقف في خانة “الأعداء”، ويرتضي بتسليم “رأس” هذا أو ذاك، وهو ما سبق أن قيل فعليًا في دورات سابقة. لكن أبعد من الكلام، ثمّة من يستبشر خيرًا بمثل هذه “الحماوة”، رغم ما تنطوي عليه من “تعبئة شعبية”، فهي قد تكون الدليل “الأسطع” على أنّ الانتخابات حاصلة، رغم كلّ شيء!
“حزب الله” يفتتح “البازار”… الانتخابات المقبلة “حرب تموز سياسية”
