بات واضحاً لدى “التيار الوطني الحرّ” أن الرّهان على إسقاطه كبيرٌ في الساحة المسيحية، الأمر الذي يدفعهُ لـ”شدّ العصب” من جديد، أقله في الأوساط الشعبية المحسوبة عليه.في الشكل والمضمون، يخوضُ “الوطني الحر” معركة واحدة عنوانها الحفاظ على “الثقل السياسي”، في حين أن الطريق الأساس للوصول إلى ذلك هو إثبات أن شعبيته في مناطقه لم تتراجع رغم التقلبات السياسية التي طرأت بعد حراك 17 تشرين الأول عام 2019. وبشكل أدق، يعتبرُ التيار نفسهُ رابحاً في بيئته، إذ أنّ من كان يناصره لن يذهب باتجاه حزب “القوات اللبنانية”، بل يُفضّل المقاطعة أو التصويت لشخصيات معينة يُنظر إليها على أنّها “رابحة” وتساهم في إعلاء مكانة المسيحيين سياسياً.
حتماً، فإنّ معركة “الوطني الحر” تنحصرُ هنا في هذا الإطار، وتحديداً في الإطار المسيحي مع وجود نيّة لإحداث خروقات في الطوائف الأخرى مثل الطائفة الدرزية التي تخوض زعاماتها التقليدية معركة إثبات وجودٍ رغم المُصالحة التي جمعتهم قبل أشهرٍ قليلة في خلدة. وهنا، فإن “الوطني الحر” شاء أن يعزّز مكانته ضمن هذه الطائفة عبر الحلفاء، وبمعنى آخر شاءَ أن يجعل كتلته النيابية “مُطعّمة” بأسماء وطوائف مختلفة لنزع صبغة “الفئوية المسيحية” عنه.
معركة خاسرةفي المُقابل، كان “الوطني الحر” يطمحُ للدخول إلى الطائفة السنية من بابها الواسِع، وقد اعتبرَ مراراً أن الاستحقاقات الانتخابية يمكن أن تشكّل له مدخلاً إلى تلك الطائفة خصوصاً في السنوات الماضية، وتحديداً بعد التسوية الرئاسيّة بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس سعد الحريري عام 2016.من دون أدنى شك، يريدُ “الوطني الحر” تثبيت مكانته في الطائفة السنيّة عبر أقطابٍ موجودة، إلا أنه لم يستطع ذلك حتى الآن. ففي الطائفة الدرزية، استطاع أن يجعل النائب طلال ارسلان في صفّ جبهته، ومن الممكن أن يضم إليه الوزير السابق وئام وهاب الذي يخوض معركةً حامية لانتزاع مقعدٍ درزي في الشوف. إلا أنه في الطائفة السنية، لم يجد “الوطني الحر” مكاناً له بعد، حتى أن الحريري لم يترُك لباسيل هذا الأمر في “عزّ التحالف”.وعليه، فإنّه بالنسبة للتيار الوطني الحر، يبقى الرهان كبيراً على مختلف الأطراف إلا على الطائفة السنية، خصوصاً في الوقت الحالي، إذ أن الأخيرةَ ما زالت من دون قيادةٍ سياسية واضحة وعلنية وسط انكفاء تيار “المستقبل” انتخابياً وسياسياً. إضافة إلى ذلك، فإنّ “الوطني الحر” يواجه معركة خاسرة داخل هذه الطائفة بعدما كان يعتبرُ “الخصم الأساس” للحريري. ولهذا، فإنّ تقبّل السُّنّة لوجود “الوطني الحر” في صفوفه ما زال يحتاجُ إلى نضوجٍ كبير، وهذا الأمر يرتبطُ بالوقت، لكن أمر حصوله سهلٌ جداً في حال كانت هناك ضمانات من “الوطني الحر” بتقوية الطائفة السنية والتأسيس لمرحلة جديدة معها بعد استمالتها إليه.
كل ذلك يبدو واقعياً وبشكل جلي في المناطق السنية التي تتحضر لخوض الانتخابات، لكن الأمر الأهم هو أن “الوطني الحر” لا ينوي خوض معارك ضمن تلك المناطق، لأنه لا يريدُ “استعداء” بيئة تيار “المستقبل” التي ما زالت حاضرة بقوّة وتساهم في طرح أسماء مرشّحين ودعمهم. وبشكل واضح، الأمرُ هذا يظهرُ في الشمال، في الشوف، في صيدا، حيثُ يتبين أن “الوطني الحر” لم يكرّس معركته أبداً ضمن المناطق السنية، بل ما ظهر هو أنه ترك لها هامشاً كبيراً في التحرّك من دون الدخول إليها “عنوةً وتسلطاً” مثلما فعلت جهاتٌ أخرى، خصوصاً بعد إعلان الرئيس الحريري قراره تعليق العمل السياسي. ففي تلك اللحظة، تعامل “الوطني الحر” وفق أسلوب “المهادنة” مع “المستقبل”، وتركَ الأمور تسيرُ مع الطائفة السنية من دون أي استفزازات أو صِدَام.
في المحصّلة، فإن رهان “الوطني الحر” اليوم يبقى على الشارع المسيحي أكثر من أي وقتٍ مضى، وبكل بساطة في حال حافظ “الوطني الحر” على وجوده النيابي كما هو، فإنّ ذلك يؤشّر على فوزٍ كبير وسط تقلّبات، انتكاسات، وتراجعات كبيرة. أما معركته في الداخل السني فهي لا ترتبط بأي “إلغاء”، لأن فوزه في الشارع المسيحي سيمكّنه من فرض نفسه كحليفٍ قوي على الطوائف الأخرى بشكل وثيق وأكيد.